عاشت مصر يوما عصيبا الجمعة الماضية كانت فيه على شفا حرب أهلية فيما أطلق عليه يوم “جمعة رد الكرامة”، حيث توجهت أعداد غفيرة من المتظاهرين المناهضين لحكم الإخوان المسلمين إلى منطقة المقطم بالقاهرة للتظاهر أمام مكتب إرشاد الجماعة الكائن هناك للتعبير عن رفضهم لسياسات الإخوان، وتدخل مكتب الإرشاد في شؤون مؤسسة الرئاسة .. وأعلنت عدة أحزاب وقوى ثورية أن الهدف من وقفتهم الاحتجاجية أمام مقر جماعة الإخوان بالمقطم هو التأكيد على 7 مطالب أساسية؛ منها حل تنظيم الإخوان المسلمين، وإقالة حكومة الدكتور هشام قنديل، ووقف العمل بالدستور الحالي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وإقالة النائب العام، والتحقيق في اعتداء أعضاء جماعة الإخوان على الصحفيين والنشطاء!!
في المقابل كانت جماعة الإخوان قد استعدت تماما لهذا الحدث وجندت شبابها لحماية مقر مكتب الإرشاد، وأعلن عدد من قادتها أنهم لن يسمحوا بالاعتداء عليهم، وأنهم مستعدون للدفاع عن مقرات الجماعة وحزب الحرية والعدالة ذراعها السياسية .. وكادت بالفعل أن تنطلق أول شرارة للحرب الأهلية عندما حاول الفريقان المؤيد والمعارض الاحتكاك فيما بينهما في الشوارع المحيطة بمكتب الإرشاد، وتبادلا بالفعل القذف بالحجارة وزجاجات المولوتوف، ما أدى إلى وقوع إصابات بين الفريقين زعم كل منهما أنه هو من بدأ المعركة، بينما نجحت قوات الشرطة في احتواء الموقف ووقفت أمام مقر مكتب إرشاد الجماعة حاجزا بين الفريقين حتى انصرف المتظاهرون، وعم الهدوء الحذر المكان ليخيم الليل وتتنفس مصر الصعداء بعد أن نجت من أول “بروفة” للحرب الأهلية بقليل من الخسائر بين كلا الفريقين!!
إن ما تشهده مصر حاليا ينذر بحرب داخلية طاحنة ستأكل الأخضر واليابس، خاصة وأن كل الطرق تؤدي إلى هذه الحرب وهذا المصير .. فالسلاح متوفر .. والانفلات موجود .. والأمن في إجازة .. ويد الدولة مرتعشة .. والقانون غائب .. وصار المواطنون يأخذون حقهم بأيديهم .. لدرجة أن تنفيذ حد الحرابة على مواطن والتمثيل بجثته أصبح أمرا مألوفا ومشهدا عاديا، ويجد قبولا لدى الرأي العام .. كل ذلك مصحوب بحالة من الاحتقان والغليان من أداء جماعة الإخوان المسلمين التي يمثلها الرئيس محمد مرسي في مؤسسة الرئاسة، حيث تزداد الأوضاع المعيشية سوءا، وباتت الأزمات والمشاكل تلاحق المواطن طوال يومه، وهو ما دفع البعض لإبداء الحسرة والندم على رحيل النظام السابق الذي كانت حياتهم فيه أفضل .. لدرجة أن البعض بات يسخر بقوله إن مقر الحزب الوطني لم يتم الاعتداء عليه إلا بعد مرور 30 عاما على حكم الرئيس السابق حسني مبارك، بينما مقرات جماعة الإخوان وحزبها لم تصمد سوى ثمانية أشهر فقط وتم اقتحامها وإحراقها!!
يتزامن كل ذلك مع صدور حكم قضائي مهم بتأييد حكم حل جماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها جماعة غير شرعية ومنحلة وفقا للقانون، وهو ما دفع جماعة الإخوان بعد هذا الحكم بساعات إلى الإعلان عن إشهار جمعية الإخوان المسلمين كجمعية أهلية برئاسة المرشد السابق محمد مهدي عاكف، في محاولة منها لتقنين أوضاعها. وقالت الدكتورة نجوى خليل وزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية إنها تلقت طلبا مكتمل الأركان بإشهار جمعية باسم الإخوان المسلمين بالإخطار وفقا للمادة 51 من الدستور الجديد، وإن الوزارة بعد أن تحققت من الشروط الواجب توافرها تم إشهار الجمعية تحت رقم 644 لسنة 2013م، لافتة إلى أن الوزارة ستتابع أنشطة وميزانية جمعية الإخوان المسلمين بدءا من وقت إشهارها!!
الغريب في الأمر أن وزيرة الشؤون الاجتماعية لم تقدم أي إجابة على سؤال يتعلق بمخالفة إشهار جمعية الإخوان لقانون الجمعيات الأهلية الذي يحظر على الجمعيات ممارسة أي نشاط سياسي، وهو ما انتقده البعض مطالبا الوزيرة بالاستقالة، محذرين من أن قرار إشهار جمعية الإخوان سيفتح الباب واسعا أمام الجمعيات الأهلية العاملة في مصر وعددها يقترب من ألف جمعية إلى القيام بأنشطة سياسية مثلها في ذلك مثل “جمعية” الإخوان، ما يخرج مؤسسات المجتمع المدني عن دورها المنصوص عليه في القانون والمتعارف عليه دوليا .. فيما اعتبر البعض بأنه لا يجوز إشهار أي جمعية أهلية بمجرد الإخطار فقط، ولا بد لأي جمعية أن تقوم بالتسجيل في وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل إشهارها وليس بمجرد الإخطار، خاصة أن هناك اشتراطات يجب توافرها وإجراءات لا بد من اتباعها!!
إذن .. جماعة الإخوان المسلمين محاصرة من كافة الجهات .. من جهة القانون ومن جهة الأحزاب المعارضة والقوى الثورية .. ومن جهة السخط الشعبي الذي بدأ يلاحقها نتيجة الأزمات المعيشية التي تزداد تفاقما يوما بعد يوم .. ورغم كل هذا الحصار لم تفكر جماعة الإخوان في طرح حلول عاجلة لمعالجة أي أزمة من هذه الأزمات، بل على العكس من ذلك تماما تشغل جماعة الإخوان نفسها في تصعيد المشاكل والأزمات مع أحزاب المعارضة والقوى الثورية والإعلاميين، وآخرها توجيه اتهامات لشخصيات سياسية وإعلامية بالتحريض على أعمال العنف التي وقعت بمحيط مكتب الإرشاد بضاحية المقطم الجمعة الماضية، وصدر قرار بالفعل باستدعائهم للتحقيق معهم فيما نسب إليهم من اتهامات .. وهو الأمر الذي رفضته المعارضة واعتبرته ترجمة لتصريحات الرئيس محمد مرسي التي أدلى بها في اليوم السابق، وهو ما أشعل الموقف وزاده تعقيدا لتجد مصر نفسها لا تزال على شفا الحرب الأهلية!!
سامي حامد/أول شرارة للحرب الأهلية في مصر!!
15
المقالة السابقة