فيصل القاسم /من الذي أوصل سوريا إلى هذا الحال؟

إذا أردت أن تتعرف على حقيقة الوضع في سوريا منذ بداية الثورة وحتى الآن، فلا تتحدث إلى المعارضين كي لا يتهمك أحد بأنك تستقي معلوماتك من طرف غير محايد، بل تحدث إلى المؤيدين العاقلين، بشرط أن تكون معهم على انفراد دون تسجيل أو تصوير، أو حتى موبايلات. لا شك أنك ستسمع انتقاداً عنيفاً لتصرفات النظام أعنف بكثير من انتقادات المعارضة. يقول رجل أعمال سوري كان على علاقة وثيقة للغاية بالنظام: “إن الأزمة السورية كان يمكن تفاديها بسهولة منقطعة النظير”، فقلت له: “كيف”، فقال: “لو كانت لدى القيادة ذرة حكمة بعد أحداث درعا الأولى، لذهب الرئيس برفقة زوجته إلى هناك لتبريد الأمور، خاصة أنه قبل أيام فقط كان يتجول هو وزوجته في قرى السويداء وسط إعجاب كبير من قبل السكان هناك دون أن يكون هناك أي سبب للزيارة سوى التعرف على أحوال الناس. فلماذا ذهب إلى السويداء في زيارة تفقدية، ورفض الذهاب إلى درعا، مع العلم أن الوضع في درعا خطير للغاية، ويمكن أن يتسبب في كارثة لا تحمد عقباها؟ لو توجه الرئيس إلى درعا ليقول لأهالي الأطفال الذين عذبتهم أجهزة الأمن، وأساءت إلى ذويهم بأن ما حصل كان خطأ، وأن المخطئين سيتعرضون للحساب لتم دفن الفتنة في مهدها”.

يتنهد المؤيد، ثم يتابع قائلاً: “لو كنت محل الرئيس وقتها لأتيت بمحافظ درعا ورؤساء الفروع الأمنية المتورطين في الحادث، وشنقتهم في وسط المدينة أمام أعين السوريين، فأكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد، أولاً أكون قد قمت بتهدئة نفوس أهالي درعا، وثانياً فتحت صفحة جديدة في تاريخ سوريا تتمثل في توجيه رسالة للجميع بأننا نجاري الربيع العربي، وأن الزمن الأول تحول، وأن لا حصانة لأحد بعد اليوم، حتى ابن خالتي عاطف نجيب الذي كان رئيساً لفرع أمني في درعا. ولا شك أن ذلك الإجراء البسيط كان سيلقى رد فعل رائعاً من السوريين، وكان سيؤمن للرئيس حكماً لمدة عشرين سنة قادمة على الأقل”.

“لكن الذي حصل”، والكلام لرجل الأعمال المؤيد، “أن النظام ركب رأسه، وأخذته العزة بالإثم، فأقنعه بعض المجرمين بأن عليه المواجهة، لا الاعتذار، مع أن الاعتذار كان سيجنب سوريا هذا الدمار والانهيار الرهيبين اللذين لم تشهدهما البلاد في تاريخها. وبدلاً من التهدئة، ظهر الرئيس في خطابه الأول مهدداً الشعب السوري بالويل والثبور وعظائم الأمور في مجلس الشعب، وقال إنه جاهز للمعركة مع الشعب المنتفض، بدل أن يقول إنه مستعد للنزول عند رغباته. والأنكى من ذلك أنه لم يترك فرصة أمام أحد، حيث قال للشعب: “إما أن تكون مع الدولة أو تكون ضدها، وهذا يعني أنك عدو جدير بالتصفية، مما فاقم الوضع وجعله يزداد اشتعالاً. لا بل إن الرئيس قال بلهجة انتقامية واضحة إنه سيعكس حركة دومينو الثورات العربية في سوريا بالاتجاه المعاكس”.

ويضيف رجل الأعمال أنه كان أثناء إلقاء الخطاب في مجلس الشعب يتناول الغداء في بيت صديق له مؤيد للنظام، فعندما سمعا الخطاب توقفا عن الأكل، لا بل إن صديقه خرج من الغرفة وبدأ يلطم قائلاً: “سوريا ستخرب”. وهذا الذي حصل، فبعد أسابيع قليلة نزل الجيش إلى الشوارع، وبدأ العنف الدامي، ناهيك عن أن الدولة جندت حثالات المجتمع من قتلة ومجرمين وقطاع طرق وساقطين اجتماعياً وسجناء خطرين قدامى للتصدي لأي حراك شعبي، وكأنها بذلك تسكب الزيت على النار، وتستفز الشعب كي يثور.

لكنني ما لبثت أن سألت رجل الأعمال المؤيد: “لكن النظام يا صديقي يقول إن الجماعات الإرهابية المسلحة كانت تريدها حرباً مع الدولة منذ البداية، وإنها حفرت أنفاقاً وكدست أسلحة لهذه الساعة منذ عشر سنوات”، فضحك صديقي قائلاً: “مثل هذا الكلام يدين النظام أكثر مما يبرئ موقفه. وكم هو مضحك عندما تسمع المؤيدين وهم يؤكدون أن اللجوء إلى الجيش في الأسابيع الأولى لم يكن لإخماد الاحتجاجات الشعبية المشروعة، بل لمواجهة الجماعات المسلحة التي بدأت بالتخريب والاعتداء على الجيش منذ اليوم الأول. وأنا سأتفق مع هذه الرواية جملة وتفصيلاً. لكن السؤال: أين كانت أجهزة الأمن السورية المشهورة عالمياً ببراعتها وقدرتها على مراقبة دبيب النمل عن تلك “الجماعات المسلحة الخطيرة”، وعن تلك “المخططات الجهنمية” لتلك الجماعات لإشعال سوريا والاعتداء على جيشها وقتل شعبها؟ لماذا لم تتم معاقبة شخصية أمنية واحدة على مدى عامين من الذين يمسكون بزمام الأمن في سوريا منذ عشرات السنين؟ لماذا تم ترفيع بعض الشخصيات إلى مناصب عليا رغم فشلها الذريع في كشف “الجماعات المسلحة” و”الإرهابيين” الذين كانوا يتربصون بسوريا منذ عشرات السنين، ثم وجدوا في الاحتجاجات الشعبية فرصتهم لتنفيذ مخططهم؟ وحتى لو كانت هناك مؤامرات، وليس مؤامرة واحدة على سوريا، ألم يسقط النظام في كل أشراك المؤامرات التي نصبوها له بخفة عجيبة، وبرعونة عز نظيرها؟ ألم يتصرف كالفيل الهائج في محل للأواني الزجاجية؟”

ويضيف المؤيد أن النظام بدل أن يهدّئ الانتفاضة الشعبية راح يعمل على عسكرتها وتحويل مسارها السلمي إلى عنفي دموي، بدليل أن نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع قال في مقابلته الشهير قبل فترة مع صحيفة لبنانية إن الدولة كانت تتوسل رؤية شخص واحد يحمل السلاح على مدى ستة أشهر، لكنها لم تجد. بعبارة أخرى، فالنظام كان يتوق إلى عسكرة الثورة كي يجد مبرراً للقضاء عليها، لكن النتيجة أنه قضى على سوريا، بينما ازدادت الثورة توسعاً وقوة”. وكأن أخانا المؤيد يذكرني بالقول الشهير: “من يصنع الأشباح تظهر له”.

لماذا تحدى الرئيس السوري في خطابه الأول المنتفضين، وضرب عرض الحائط بكل النصائح الإصلاحية الحقيقية التي وجهها له العقلاء من الحكام العرب في الأيام الأولى من الثورة، ثم راح الآن بعد عامين من الدمار يعرض على معارضيه الحوار؟ لماذا لم يحاورهم قبل أن يحملوا السلاح في وجهه؟ لماذا لم يفكر بالحوار إلا بعد أن فقد السيطرة على معظم البلاد، وانحصر في دمشق ليصبح أشبه بمحافظ دمشق الصغرى، كما وصفه صديقه القديم المفكر السوري صادق جلال العظم؟ أليس في ذلك اعتراف بأن النظام كان مخطئاً في إدارة الأزمة، وأن كل ما حصل حتى الآن من خراب ودماء وانهيار هو المسؤول عنه بسبب تعنته وغطرسته وعناده الرهيب وانسياقه وراء شركاء السوء كإيران وروسيا والعراق؟

ليت النظام فهم المثل السوري الشهير: “دخول الحمّام ليس كالخروج منه”!

شاهد أيضاً

أحلام طهران ودماء الفلسطينيين* د. سالم الكتبي

عروبة الإخباري – بعد نحو ستة أشهر من الحرب التي أشعلتها حركة حماس الإرهابية بعد …

اترك تعليقاً