أبلغ الكلام تسمعه من الروس .. لا يوحي الكلام الروسي بأنه يتلاعب أو يلعب بقدر ما يقدم أبعد من أفكار للحل في سوريا .. بل يتملكك الشعور ان الروسي مقتنع بكل حرف يقوله، وبكل كلمة يتفوه بها، بل إنه يعرف قد يخسر عربيًّا تجربة اقتصادية سعى إليها نتيجة موقفه من الأزمة السورية، لكنه مع ذلك يقف صامدا، صابرا مثل بشار الأسد، يتلفت حوله باحثا عن واقفين إلى جانبه ومادين يدهم إليه في رجائه.
أما الأميركي فقد حيرنا في مواقفه. يريد تسليح المعارضة بخمسة وستين مليون دولار وهي تكاد لا تكفي يوما واحدا من معارك حقيقية لتلك المعارضة. ثم نجده أمس يصدر بيانا ضد ما ارتكبته “القاعدة” من قتل للجنود السوريين في العراق والعائدين إلى بلدهم بعد خضوعهم للعلاج. ثم هنالك ما يهمس: لا تصدقوا الأقوال العلنية لجون كيري وللمسؤولين الأميركيين لأن مواقفهم الحقيقية يتم اخفاؤها عن الإعلام وعن السياسيين الذين يتعاملون معهم وعن جماعاتهم المحسوبين عليهم.
نصدق الروس ونعتبرهم أقرب إلينا من بعض العرب الذين تمادوا في اللعب بالدم السوري. بل ترى الروسي وكأنه أيضا مفجوع من موقف بعض هؤلاء العرب ومن سلطتهم المالية التي يروعون بها الشعب السوري في دعمهم لمن يفترض أن لا يدعموه.
أما الأميركي فلا نفهم له قرارا، حتى ولو قال إنه سيدفع للمعارضة فإنه لا يفعل بل يأمر منفذيه بالدفع. امواله لا تتحرك من مصارفه ولا من جيوبه، الآخرون من ابناء يعرب هم من يقدم الفاتورة تلو الأخرى كي يظل العم سام شاكرا، عارفا بالذاهب والقادم وبالتكاليف التي يهندسها كي لا تصل إلى ما لا رجوع عنه. هو يحسب ألف حساب لكل قرش باعتبار المعركة في سوريا سياسية بالدرجة الأولى وليست مجرد فوضى أرقام، اما بعض العرب فأعتقد انهم لن ييأسوا لو مدوا ارقاما فلكية في الأزمة السورية.
ستظل الفروقات قائمة بين الروسي والاميركي .. من المدهش انها كانت كذلك عبر سنوات طويلة، ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وما بعده . لكأنما اعراض المحبة تظل قائمة اذا لم يأت من يخونها كما فعل السادات عندما طرد السوفيات من مصر، فكان أغرب عمل في التاريخ لنظام قدم سلاحه وما يملك منها وبعضه مجانا.
كما سيظل الفرق قائما، اذا عرفنا ان سمعنا مثلا وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت وهي تقول وتردد على مسامع الجميع، من اعلام وعرب، ان الولايات المتحدة ستظل إلى جانب اسرائيل أمد الدهر.
فرق كبير بين الأميركي والروسي، ربما لأن هنالك تاريخا مليحا بين الروسي والسوري فهنالك غزل جميل لمواقف محمودة، وبعضهم يقول انها أصول الانتماء إلى شرق واحد. اما الأميركي فلا جدوى منه طالما ان صداقته مشكلة وعداوته كارثة كما يقول كيسنجر.
زهير ماجد/بين الروسي والأميركي
11
المقالة السابقة