عروبة الإخباري – سمية أبو عطايا –
المسافة بين الميلاد والموت في كل نموذج عائلي مستخرج من النظام العالمي للبلديات، لا يتجاوز بضعة سنتمترات،فهي عبارة عن ولد بتاريخ كذا وتوفي بتاريخ كذا.
ويظل ما يختلف فيه كل إنسان عن إنسان أخر ،هو ما يستطيع أن يحققه المرء في شغر هذه المسافة التي يحتويها الدفتر العائلي وإنما ما يحتويها دفتر آخر هو دفتر الوطن.
نعم ان الوطن دفتر لا يضاهيه دفتر آخر، وكل إنسان يستطيع أن يخط فيه شيئا عن ذاته، لايهم بطبيعة الحال نصيبه من المال ولا حظه من الجمال،لا يهم أن يكون قد جاء هذه الارض من نسل شريف،أو مجهول الأصل، لا يهم إن كان ضعيفا أو بالغ القوة، دفتر الوطن لا يعول على ذلك.
والسؤال دائما وعبر كل رحلة إنسان، ماذا عن الوطن؟
ماذاقدم المرء لوطنه ،أما إذا كان المرء كاتبا أو شاعرا فإن السؤال يكون أكبر وأكبر، والمسئولية تكون أعظم ، ولكن حينما يكون من نتحدث عنه هو *الشاعر أمل دنقل،فإن كل من لديه فكرة عن الواقع الثقافي المصري، والتاريخ المصري الحديث سيبادر بالإجابة دون تردد،ان الشاعر أمل دنقل قد دفع كل شئ لوطنه، وسجل كل أشعاره في دفتر بمداد من نور.
ولد أمل دنقل في قرية القلعة مركز قنا في عام 1940 ،تأثر بوالده الذي كان أديبا،شاعرا،فقيها، فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة من عمره،ترك هذا بالغ الأثر في نفسه،فالبس شعره مسحة من الحزن،إلى جانب انه عاصر الثورة المصرية والمد القومي فتأثر بذلك وانعكس هذا في أشعاره وكتاباته.
كان ديوانه الأول الذي صدر سنة 1969 بعنوان ،،،البكاء بين يدي زرقاء اليمامة،،،هو الذي شهره عربيا ،جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967 ،فهو دائم الارتباط بوعي القراء ومشاعرهم.
شاهد الشاعر أمل دنقل الإنتصار الكبير في حرب أكتوبر، فرفض معاهدة السلام
بين مصر وإسرائيل وكتب قصيدته، ،،لا تصالح،،، عبر من خلالها عما بداخل كثير من المصريين والعرب ،وكان بموقفه من معاهدة السلام سببا في اصطدامه مع النظام ،كانت الجماهير تردد أشعاره في المظاهرات.
قصيدة لا تصالح،،،من أحذق التجارب الشعرية في العصر الحديث وأكثرها تجسيدا لما يمكن أن يكون عليه الشعر الثوري الصامد ،وهو يرى النهاية الشخصية بأن عينيه ويلمسها بأصابع يده ،ويستطعمها علقما في ريقه وجراح غائرا في قلبه وعظمه ويظل رافع الهامة واسع الابتسامة.
ليس أنبل مني …ليقتلني
بسكينته
ليس أمهر مني …يقتلني باستدارته
الماكرة
لا تصالح
فما الصلح إلا، ،معاهدة بين ندين
(في شرف القلب)لا تنتقص
والذي اغتالني محض لص
سرق الأرض من بين عيني
والصمت يطلق ضحكته الساخرة
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات
الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك، المسوخ
لا تصالح
لا تصالح
استمر الشاعر أمل دنقل ،،يصارع الواقع العربي وعبر عن ذلك في قصيدته ،،لا تصالح،،إلى أن ابتلي بصراعه مع مرض السرطان الذي ابقاه في المستشفى ثلاث سنوات ،واجه المرض بنفس قوية وإرادة عالية ،ولم يهمل الشعر لحظة إلى آخر أيامه حتى أنه أتم ديوانا كاملا باسم ،،أوراق الغرفة 8
رحلت روح الشاعر أمل دنقل لكنه ترك تاريخا مضيئا بالشعر وأرائه السياسية التي كانت تصدر بروح القادر ونفس الحر
رحل سنة 1983 عن عمر ناهز 43 عاما.