النيران مشتعلةٌ فى كل أرجاء الشرق الأوسط، لا تكاد تخبو فى مكان، حتى تشتد في مكان آخر؟ وكأن هناك يدا شيطانية خفية، تقف وراء كل تلك الحرائق المدمرة؟ والأمر المثير أن تلك النيران لا تأكل سوى أبناء تلك المنطقة من العرب، ولا تستنفد سوى مقدّراتها؟
اليمن الذي كان، يوما ما، سعيداً، أصبح يُصنف اليوم بأنه يعانى من أسوأ كارثة إنسانية، نتيجة حربٍ عبثية، اقتربت من خمس سنوات، أطرافها المباشرون هم أبناء العمومة من العرب العاربة، والعرب المستعربة، من أهل الجزيرة العربية، والخليج، وامتدت نيران تلك الحرب، لتصل إلى أرض الحجاز ونجد وأبو ظبي، والتى لم تشهد حروباً منذ عقود طويلة؟
سورية الحبيبة تحولت ساحة للاقتتال الداخلى على مدى ثماني سنوات، تمزّقت أشلاء، وتكالبت عليها القوى الإقليمية والدولية، والدم المُراق على الأرض السورية هو، في النهاية، دم عربي؟ ليبيا المناضلة، وشعبها الذي انتفض ضد طاغية، وتطلع إلى استعادة حريته، ومقدّراته، ما كاد يقترب من تحقيق طموحاته، حتى اشتعلت نيران الشقاق على يد ضابط متقاعد من ضباط معمر القذافي الذي كان أسيراً لدى تشاد، وأعلن انشقاقه على القذافي، وتحول إلى لاجئ في أميركا برعاية مخابراتها المركزية، وحصل على جنسيتها، وظهر مع نجاح ثورة الشعب الليبي، ليصبح عامل شقاق، وفرقة، وأخيراً اقتتال دموي، تراق فيه دماء الليبيين؟
وسط تلك الأجواء، تشتعل نيرانٌ جديدة فى السودان، ينتفض الشعب السوداني الحر في وجه نظام عمر البشير، بعد ثلاثين عاماً من القهر والاستبداد، والقمع الدموي، تخرج مجموعة من الجنرالات ترفع شعار دعم الحراك الثوري، الشعبي، وتعزل البشير وتعتقله، وتشكل مجلسا عسكريا يتولى الحكم، ثم ما تلبث أن تكشف عن الوجه الحقيقى لها، فتفضّ اعتصام الثوار السلمي بالعنف العسكري بقوات مليشيات الجنجويد، ويسقط الثوار قتلى، وجرحى، وغرقى، بل ومُغتصبين. وفى النهاية، الدم المراق سوداني.
لا ينبغي أن نغفل ما يجري في الجزائر من توتراتٍ على مدى أكثر من أربعة أشهر، حراك شعبي أسبوعي، إحكام سيطرة من رئاسة أركان الجيش، ولكن الأمور لا تزال تجري في سياق سلمي، بعيداً عن إراقة الدماء، وهو ما نرجو أن يستمر، حتى الوصول إلى حل يحقق طموحات الشعب الجزائري.
إلى جانب كل تلك النيران التى اشتعلت في أرجاء المنطقة، هناك نيران اشتعلت في العراق، وأراقت دماء الملايين، ولا زالت بقاياها مستمرة. وبالطبع، هناك نيران مشتعلة منذ ما يزيد على سبعة عقود، وهي النيران على الأرض الفلسطينية، والتي لا تزات مشتعلة، خصوصا في قطاع غزة، ما بين المقاومة الصامدة والعدو الإسرائيلي.
تبقى الأسئلة الأهم: هل لايزال هناك مجالٌ لمزيد من إشعال النيران؟ ومن الذي يُشعل تلك النيران؟ وما الهدف منها؟ تأتي الإجابة من واقع الأحداث في قلب المنطقة، في حادثتين متتابعتين، الأولى في بحر العرب، وبالتحديد بالقرب من المياه الإقليمية لسواحل الفجيرة، إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم استهداف أربع ناقلات نفط بعملياتٍ تخريبيةٍ محدود. وهى إشارة واضحة إلى أن طرق إمدادات النفط من الخليج إلى البحار المفتوحة، يمكن أن تتعرّض للخطر. وأشارت أصابع الاتهام إلى إيران، أو بعض أجنحتها فى المنطقة. نفت إيران أي علاقة لها بالحادث، وتضاربت التحليلات ما بين السعى إلى تصعيد الصراع بين أميركا وإيران، لصالح أطرافٍ إقليمية، وبين سعى إيران إلى تخفيف الضغط عليها الناتج عن العقوبات الإقتصادية الأميركية.
وبينما كانت التحليلات عن أبعاد الحادث تتضارب، فوجئ العالم بحادثٍ أشد عنفاً، حيث تعرّضت ناقلتا نفط في أثناء إبحارهما فى بحر عُمان لهجومٍ غامضٍ أشعل فيهما النيران، ولم يتم الكشف عن أبعاد ذلك الهجوم حتى الآن، سواء كان، بصواريخ موجهة، أو بطائرات مسيّرة، أو بألغام بحرية. المهم أن كلا من أميركا وإيران قامت بنجدة أطقم الناقلتين. وعاد الحديث عن اشتعال النيران فى المنطقة، وبادرت أميركا هذه المرة بتوجيه الاتهام مباشرة إلى إيران، وتوجهت إلى مجلس الأمن في محاولة لإدانة إيران بتهديد السلم والأمن الدوليين.
وفي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة كل تلك النيران المشتعلة، وبينما أميركا تتهم إيران بتهديد السلم والأمن الدوليين، تشهد المنطقة أحداثاً أخرى على هضبة الجولان السورية المحتلة، وفي إحدى المستوطنات اليهودية، يعقد نتنياهو اجتماعا لحكومة العدو الإسرائيلي، يحضره السفير الأميركي في إسرائيل، والسبب هو الاحتفال بتدشين مستوطنة إسرائيلية تحمل اسم الرئيس الأميركى ترامب على هضبة الجولان، تقديراً لإعلانه أن الجولان تحت السيادة الإسرائيلية.
والحدث الثاني الذي تستعد له المنطقة عقد ورشة العمل الاقتصادية في البحرين، لمناقشة تسوية القضية الفلسطينية عن طريق “الاستثمار مقابل السلام”، وليس الأرض مقابل السلام. وتعلن واشنطن عن الأطراف العربية التي بدأت تبدي موافقتها على المشاركة في تلك الورشة. وفي مقدمتها مصر والأردن والمغرب. تلك الورشة التي يعتبرها مراقبون كثيرون مقدمةً وتمهيدا لطرح الشق السياسي لصفقة القرن، والمزمع الإعلان عنها في نوڤمبر/ تشرين الثاني المقبل، عقب الانتخابات الإسرائيلية.
وفي وسط كل تلك الأجواء المتناقضة ما بين طبول الحرب وورش عمل التطبيع مع العدو الإسرائيلى، يخرج علينا ترامب بتصريحاته عن الاستعداد للحوار مع إيران؟ نعود إلى السؤال: من الذي يُشعل النيران في الشرق الأوسط، وما الهدف منها؟ المؤكّد أنه لا أميركا ستضرب إيران لصالح أي طرف إقليمي، ولا هي ستتوقف عن ابتزاز الدول العربية النفطية، بدعوى حمايتها من التهديد الإيراني. والأهم أن خطتها المعروفة بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية ماضية فى طريقها. وليبقى الشرق الأوسط مشتعلاً، طالما النيران لا تحرق إلا العرب.