عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب-
يُحب الأردنيون قبرص ويديمون السياحة إليها، ويرون فيها وجهة سياحية مناسبة لعوامل اقتصادية، فالرحلة إليها ليست مكلفة كثيراً إن لجهة قربها وأسعار التذاكر اليها أو حتى كلفة المعيشة اليومية و أسعار الفنادق المنافسة التي هي أرخص من فنادق عمان الشبيهة لها في التصنيف او حتى طبيعة الخدمة المقدمة، إضافة الى ما تتمتع به قبرص من أمن وسلامة اجتماعية و محافظة على السائح الذي لا تحافظ عليه عواصم عالمية كبيرة بنفس السوية خاصة لجهة أمنه الشخصي وأمن مقتنياته او ما يحمله.
زرت قبرص أكثر من عدد اصابع اليدين ومازلت أدمن على زيارتها وأشعر فيها بالارتياح شأن معظم الاردنيين الذين استمع لآرائهم، ولا تميز مواقع اوروبية اخرى عن مدن قبرص سواء العاصمة الادارية او السياحية او المدن التاريخية والأثرية او تلك التي تنتشر على الساحل، و بعضها أقرب إلى القرى الهادئة منها الى المدن الكبيرة.
اخر زياراتي كانت الى ليماسول ومازلت أتطلع في الايام القادمة لمواصلة رحلتي في مدن وقرى قبرص، فقد اغرتني زيارة ضريح الصحابية “ام حرام” التي ترقد في ضريح اقيم عليه مسجد مازال قائما على بحيرة الملح في إحدى ضواحي لارنكا، حيث يستطلع الزائر ان يرى هذا المسجد الصغير المكون من حجرتين من نافذة الطائرة وهو مكان يؤمة السياح كمعلم دون ان يعرفوا ان وراء الباب المغلق الذي لا يفتحه الدليل السياحي للسياح ضريحين لسيدتين جليلتين هما الصحابية “ام حرام” زوجه “أبي عبيدة عامر بن الجراح” التي سقطت عن بغلتها اثناء فتح قبرص زمن الخليفة “معاوية بن ابي سفيان” والذي جاءها من قبرص بعد معركة “ذات الصواري” ولـ “أم حرام” قصة طويلة قبل وفاتها لا مكان لذكرها هنا.
أما السيدة الثانية فهي زوجة الشريف الهاشمي الحسين بن علي المنفي على يد الانجليز الى قبرص والذي اقام في نفيه في منزل متواضع وقد تزوج ابنه الصدر الاعظم رئيس وزراء تركيا المبعد ايضا من اسطنبول الى قبرص، وقد زوج الصدر الاعظم ابنته للشريف الحسين، وهي التي انجبت له ابنه “زيد بن الحسين” والد الامير “رعد بن زيد كبير” الامناء في الديوان الملكي سابقا اطال الله في عمره.
قبرص جميلة ووادعة تعرضت للغزو التركي حيث احتل الاتراك الجزء الشمالي من الجزيرة، ليقيموا فيه حكومة لم يعترف العالم بها وقد ظل احتلال هذا الجزء يؤرق المجتمع الدولي وظل يحرم قبرص من وحدة ترابها الوطني ومن أمنها واستقرارها رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الأمم المتحدة في العديد من القرارات، ورغم الضغوط الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
لقد قاوم القبارصة الاحتلال البريطاني وظهر اسم الزعيم مكاريوس وهو أسقف ناضل من أجل طرد المستعمرين الانجليز الذين نفوه الى جزيرة سيشل، وبعد نضال اصبحت قبرص جمهورية مستقلة واحتفظت بريطانيا بالسيطرة على قاعدتين عسكريتين وقد اصبح مكاريوس رئيساً للجمهورية الجديدة عام 1963 وما لبث ان تمرد القبارصة الاتراك على الحكومة المكاريوسية الجديدة واندلع القتال عام 1964 وبعدها ارسلت الامم المتحدة قوات لحفظ السلام لحل المشكلة في عام 1967 نشب صراع اخر وفي الفترة من عام 1967 الى 1974 عقدت عدة لقاءات ومؤتمرات ومحادثات ومفاوضات وقامت ازمة حادة وأعيد انتخاب مكاريوس رئيسا للجمهورية عام 1968 وفي عام 1973 وتحديدا في يوليو 1974 حيث اطيح به في انقلاب ولذلك فرّ من البلاد، وبعد الإطاحة بالأسقف قامت تركيا بغزو قبرص حين شعرت في فراغ فاندلع قتال واسع بين الاتراك والقبارصة اليونان…
واحتل الاتراك اجزاء من قبرص وفرّ الالاف من اليونانيين الى جنوب البلاد، وقامت مفاوضات لوقف اطلاق النار و وقف القتال، وعاد مكاريوس الى قبرص رئيسا للدولة آواخر عام 1974، وتوفي عام 1977.. وجاء من بعده سباريوس كبريانو وكان رئيسا لمجلس النواب إلاّ ان تركيا رفضت الاعتراف به وما زالت الخلافات قائمة.
وفي عام 1983 اعلن الاتراك اقامه ولاية قبرصية تركية فدرالية مع الارمن التي احتلوها وسموها جمهورية ( جمهورية شمال قبرص التركية)، ومع ذلك فان كل دول العالم ما عدا تركيا تعترف بقبرص دولة واحدة.
لم اكن اريد ان اخوض في تاريخ قبرص المعاصرة التي استطاعت رغم كل ما واجهته من عدوان وسيطرة على جزء من ترابها الوطني وتقسيمها ان تصمد وان تقيم اقتصادا مزدهرا وان تؤسس لسياحة نشطة، ولكن لا يستطيع المراقب ان يتجاوز الجرح القبرصي حين يكتب باعتبار قبرص بلد جار لكل الاقطار العربية وله معها علاقات طيبة ونشيطة كما ان موقف الحكومة القبرصية موقف مشرف من غالبية قضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية.
أعود إلى قبرص مرة اخرى لاستمتع بالسياحة فيها والتعرف على موطن الكثير من الالهة القديمة اليونانية وفترات الاغريق وحتى مرحلة فرسان القديس، لقد ظلت قبرص صديقة للعرب وما زالت تقيم علاقات طيبة مع عديد من البلدان العربية كما استطاعت ان تبني بنية سياحية تتطور بسرعة عالية وتزدهر وتشكل أرقاما عالية في الدخل العام القبرصي.
في زياراتي كنت اشعر بتحسس السفارة القبرصية إزاء قيام الاردنيين بزيارة الشطر الشمالي المحتل من الجزيرة، واعتقد ان الكثيرين من الاردنيين يتفهمون ذلك بمن فيهم الذين يزورون ذلك الشطر كشكل من اشكال السياحة قد لا يكون متوفراً من قبل في قبرص الام ولكن يبدو الان ان النهضة السياحية والاقتصادية في قبرص قد وفرت معطيات كثيرة جاذبة قد لا تجعل الزائر يفكر في ان يرتحل الى الشطر الآخر، الذي لم يصل الى درجة التحضر التي بلغتها جمهورية قبرص سواء لجهة العملة أو حتى انماط المعيشة او التسوق او التنوع او حتى اللغة، حين لا يتكلم معظم سكان الشطر الشمالي سوى اللغة التركية.
مره اخرى سأكون في نقوسيا العاصمة حيث الجو المعتدل وسيكون في برنامجي ان ازور عديد من المناطق مثل فاماغوستا وليماسول التي كررت زيارتها في كل مره لطيب السمك فيها، وأيضا منطقة بافوس حيث اطباق جبنة الحلوم المشوي وهي من اشهر الاطباق القبرصية.
لقد امضيت ايام جميلة في فندق جاكس الذي يتمتع بخدمات ممتازة حيث الشاطئ الجميل والإفطار الصباحي الذي يطل على البحر.
ما أريد ان أقوله هو ان السياح الاردنيين تحديدا كما أعلم يكنّون لقبرص محبة و يرون فيها منطقة سياحية قريبة ونشيطة خاصة هذا الصيف الذي اتمنى على السفارة القبرصية مواصلة نشاطها وزيادته، وتوفير كل ما هو مطلوب لاستمرار تدفق السياحة الأردنية الى قبرص.
وبقي أن أثني على جهود السفير القبرصي في عمان السيد اندرياس كوزوبيس على جهوده المتصلة في خدمة العلاقة بين البلدين الاردن وقبرص و على استمرار فتح الحوار مع الهيئات و وكلاء السياحة والسفر لجعل السياحة الى قبرص اكثر سهولة و اقل متطلبات داعيا الى إعفاء الاردنيين من التاشيرة الى قبرص والحصول عليها في المطارات القبرصية سيما وان علاقات البلدين في تطور وهذا ينعكس على الاجراءات السهلة في الحصول على التاشيرة ومتابعة السفارة لذلك وخاصة للقسم القنصلي الذي يقدم موظفوه احسن الخدمات والتسهيلات، وقد جربت ذلك بنفسي عندما كنت مضطر للحصول على تاشيرة في وقت قياسي، واذا كان من عبرة لكل تلك الزيارات فإنني أدعو وزارة السياحة الاردنية للاستفادة من التجربة القبرصية الرائدة في مجال تنظيم السياحة وزيادة عوائدها، وفي القدرات الاحصائية وتطوير المرافق والاحتفاء بالسياح واستطلاع آرائهم، كما شاهدت في اخر مره لزيارتي الى قبرص حيث استطلعت رأيي في مطار لارنكا صبية جميلة استأذنت لتأخذ مني الكثير من الانطباعات في القليل من الوقت، لتكون الخلاصة هي المعرفه التي تنعكس على تطوير السياحة، فهل نفعل هنا مثل ما يفعل القبارصة هناك.. انه اقتراح أرجو الأخذ به.
Limassol
Nicosia! The Capital of Cyprus