كان الأقصى ذات زمانٍ خطاً أحمر للممارسات العدوانية الإسرائيلية، وكان الإسرائيليون يتردّدون كثيراً قبل الاقتراب منه والمساس به، وكان العرب والمسلمون يشتعلون غضباً إذا سمعوا خبراً عن محاولة إسرائيلية للاقتراب من القدس الشريف، ولكن ومع تقدّم العمر بهذه الأمّة، ضعفت ذاكرتها ونسيت أنّ بيت المقدس هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وسقطت من كشف الأماكن المقدسة عند المسلمين والمسيحيين على السواء، وبعدما كانت خطّاً أحمر لا يمكن السماح بتخطّيه أصبحت خطّاً أخضر مزداناً بالراحة والطمأنينة، وأصبح الإسرائيليون جنوداً ومستوطنين وعصابات مسلّحة ترتاده وقتما تشاء وتدنّسه وتهاجم المصلّين وتضربهم وتعتقلهم من دون أن تصدر عن الأمّة أي عبارة رفض أو اعتراض أو استنكار إلاّ هذا الصوت الذي يصدر من الأردنّ الذي لا يملك أن يصمت على ما يجري رغم من يرزح تحته من أعباء لا قبل له بها نتيجة الأحداث الجارية في الدول العربية المجاورة والقريبة منه مما ألحق أضراراً بالغة باقتصاده واستقراره ومشاريعه التنموية.
لم يكتف المعتدون الإسرائيليون بما يرتكبونه من احتلالٍ للبلاد ومصادرة للأراضي وقتل للناس واعتقال للرجال والنساء والأطفال وهدمٍ للمنازل واقتلاع للأشجار وتدمير للمزارع وتشريد للناس ومنع المصلين من الصلاة وغير ذلك من الإجراءات التي لا يمكن تصنيفها إلاّ في باب الإرهاب الصهيوني إرهاب الدولة وإرهاب العصابات الإستيطانية المسلّحة، فضلاً عن تجاوزها لكلّ الشرائع السماوية والتشريعات والقوانين الدولية وحقوق الإنسان، فكيف إذا بلغ الأمر بهم إلى حدّ العبث بأقدس مقدّساتنا وتدنيسها والاعتداء عليها؟! أوليس ذلك أقصى درجات الإرهاب الذي يضرب في ضمائر الناس ووجدانهم؟!
إن أخطر ما في هذا السكوت على التجاوزات الإسرائيلية المتكررة والمتصاعدة أنها تترك لدينا انطباعاً يترسخ يوماً بعد يوم بأنّ الاعتداء على المقدسات وتدنيسها أصبح مجرّد خبر يوميّ مألوف ليس جديراً بأن يلفت الأنظار، ومتى حدث ذلك وهانت علينا أقدس مقدساتنا فإنه يهون علينا كل شيء بعد ذلك، فيصبح اقتحام المدن الفلسطينية والمخيمات والقرى وقتل أبنائها أو اعتقالهم واقتلاع زيتونها أمراً عادّياً ومقبولاً، ويصبح قصفها واقتحامها وحرمان أهلها حتى من الهواء أمراً غير جدير بأي اهتمام، ويصبح الدم العربي مباحاً في كلّ مكان، ولا يعود بين المحتلين ودمائنا أيّ خطوط حمر وما دام العرب منشغلين بسفك بعضهم دماء بعض فليتربصوا ما سيقدم عليه الإسرائيليون في القدس وفي المسجد الأقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية!
salahjarrar@hotmail.com
د.صلاح جرار/الأقصى خطٌّ أخضر
24
المقالة السابقة