من أجل تقويم الجولة التي قام بها الموفد الدولي – العربي الأخضر الإبراهيمي على المنطقة والجهود الكبيرة التي بذلها والمشقات المضنية التي عاناها، يمكن التساؤل عن إمكان أن تكون فرص انعقاد مؤتمر «جنيف -2» باتت متوافرة أكثر عما كانت عليه عندما بدأ هذه الجولة.
لقد بدأ الإبراهيمي جولته والكلام الصادر عن راعيي «جنيف – 2»، أي روسيا والولايات المتحدة، يحدد 22 – 23 الشهر موعداً للمؤتمر، أي بعد أسبوعين. وأنهى الإبراهيمي جولته ليتحدث عن احتمال انعقاد المؤتمر خلال أسابيع في أفضل الأحوال، إن لم يكن إلغائه إذا رفضت المعارضة الحضور. أي أن الجولة لم تسهم بالملموس في أي تقدم نحو انعقاد المؤتمر، على رغم كل التفاؤل الصادر عن الأمم المتحدة وموفدها والإطراء الذي ناله الموفد من موسكو وواشنطن والمديح الصريح من النظام السوري، بعد تخوينه وتصنيفه في خانة الأعداء.
وقد يكون هنا بيت القصيد من كل هذه الجولة، أي العودة إلى دمشق وحظوة لقاء الرئيس بشار الأسد. وبعد اللقاء والتقريظ الذي ناله الإبراهيمي من الإعلام الرسمي السوري، يمكن فهم معنى حماسة الموفد الدولي لانتقاد المعارضة السورية ومطالبتها بأن «تقنعه» بأنها معارضة ولحماسته من أجل مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف – 2». فهل كانت هذه المواقف مطلوبة من الموفد الدولي – العربي من أجل أن يحظى بالاستقبال الذي حظي به في دمشق؟ لقد سدد سلفاً الثمن السياسي لهذا اللقاء.
لا عذر للإبراهيمي في عدم زيارة الرياض، خلال هذه الجولة. حتى لو طلب موعداً ولم يحدد له. ذلك أن وجهة النظر التي تدعمها السعودية غابت تماماً عن اهتمامات الإبراهيمي خلال إعداده لهذه الجولة. وبدا أن الغرض الأساسي منها هو لقاء الأسد و «الحصول» على موافقة النظام على حضور «جنيف -2». وثمة من صدق، في الأمم المتحدة ومحيط أمينها العام بان كي مون، أن انتزاع هذه الموافقة حصل بجهود الإبراهيمي.
لقد «وافق» النظام السوري على حضور «جنيف – 2» يوم وضع أزمة ترسانته الكيماوية في يدي موسكو التي عملت من أجل إعادة تأهيل هذا النظام على تفكيك هذه الترسانة وانتزاع موافقة الولايات المتحدة على إعادة التأهيل هذه. فلا منة للإبراهيمي في هذه المسألة. لقد كان دوره في دمشق، وقبل وصوله إليها، الترويج لإعادة تأهيل النظام وجعله مقبولاً ومحاوراً. وهذا الدور جعله وسيطاً لتسويق التفاهم الأميركي – الروسي، وليس موفداً من أجل حل للصراع في سورية على قاعدة بيان «جنيف – 1»، من جهة. وهذا الدور جعله غطاء لاستمرار عمليات إبادة للسوريين، وليس وسيطاً من أجل وقف أعمال العنف، من جهة ثانية. ولذلك ربما لم تكن الرياض بين العواصم التي زارها في جولته، لأن السعودية لم تعد ترى أن إعادة تأهيل النظام هي وسيلة ناجحة لوقف القتل والتدمير في سورية. خصوصاً أن إعادة التأهيل هذه تأتي لأغراض سياسية وديبلوماسية تتعلق بالمصالح الأميركية والروسية.
ويُفهم من إعلان الإبراهيمي من دمشق أن رفض المعارضة المشاركة في المؤتمر يعني تأجيله، وذلك بعدما أحرجها بالانتقاد ودعوة إيران، أنه مسعى لتحميلها سلفاً مسؤولية الفشل، في حين وفّر النظام الظروف لنجاحه عبر الموافقة على الحضور.
تحصل التفاهمات الأميركية – الروسية، التي يروج لها الإبراهيمي، على حساب دماء السوريين بالمعنى الحرفي. لأن شروط إعادة التأهيل تمر حكماً بمزيد من الإضعاف السياسي للمعارضة والانهاك للمدنيين والدمار للبلاد، أي إبقاء يدي النظام مطلقتين في تطبيق الحل الأمني الذي بدأ به… لذلك استحق الإبراهيمي تقريظ الإعلام الرسمي السوري وحظي بلقاء الأسد.
عبدالله اسكندر/لماذا لم يزر الإبراهيمي الرياض؟
13
المقالة السابقة