المملكة العربية السعودية دولة مؤثرة دينياً في العالم ولا شك، كونها تحتضن عاصمة الدين الإسلامي، وهي أكدت أنها دولة مؤثرة اقتصادياً منذ قرار المغفور له الملك فيصل حبس النفط في عام 1973 ثم بانضمامها إلى مجموعة دول G 20، وهي دولة مؤثرة سياسياً وبقوة على المستوى الإقليمي، وقد حانت الفرصة مؤخراً لتؤكد ثقلها الدولي سياسياً ليس من خلال احتلالها مقعداً في مجلس الأمن فقط كما فعلت دول هامشية، بل من خلال تفعيل هذه العضوية واستثمار وجودها في المجلس وتحريك الملفات الراكدة والعالقة فيه عبر النفوذ السعودي الديني والاقتصادي والعلاقات السياسية الإيجابية والمتميزة لها مع مختلف دول العالم.
ولذا فقد أحدث القرار السعودي بالانسحاب من عضوية مجلس الأمن هزة دولية غير مسبوقة في هذا الشأن.
هل كان يمكن أن تكون الهزة السعودية للمقاعد الدولية أشدّ قوة وأعنف تأثيراً؟
هل كان قرار الانسحاب السعودي مفاجئاً وطارئاً بعد ليلة التصويت، أم كان مبيّتاً من قبل الليلة الاحتفالية؟
هل المطالبة بإصلاح مجلس الأمن مرتبطة بأزمة محددة تفاقمت تداعياتها على المحيط المجاور، أم أنها مطالبة مبررة منذ إنشاء الأمم المتحدة بالتزامن مع نشوء القضية الفلسطينية، والمعالجة الأممية غير العادلة لها؟
أسئلة كثيرة حول قرار الانسحاب وضعها محللون عرب وغربيون في محاولة منهم لتفكيك اللغز السعودي!
آخرون كثر لا يرون في المسألة لغزاً. فالموقف السعودي كان وليد مخاضات متراكمة من رسائل غضب وعتاب وتهديد تمظهرت كأشد ما تكون في شبه الغياب السعودي عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي.
المطالبة بإصلاح مجلس الأمن وتقوية منظومة الأمم المتحدة هي أيضاً ليست وليدة اللحظة الراهنة أو الوضع المتأزم الذي يعيشه العالم الآن، فقد سبق كثيرون المملكة العربية السعودية في المطالبة «الرخوة» بالإصلاح، لكن السعودية سبقت الآخرين في التعبير عن المطالبة بطريقة «ثورية» صارمة سيبقى لها أثر ومفعول على ملف الإصلاح الأممي مغاير لمحاولات الآخرين السابقة.
لكن هل كان يمكن أن تكون الصفعة السعودية للمجلس الغائب، أو المغيّب عن الوعي، أقوى تأثيراً لو أن القرار السعودي جاء وفق سيناريو يرتكز على المسار التالي: تقبل السعودية الفوز بالمقعد في مجلس الأمن، ثم تكوّن فريقاً من الخبراء السياسيين والقانونيين للعمل خلال شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) على وضع مشروع مقترح لإصلاح مجلس الأمن، وتتقدم المملكة بالمشروع إلى المنظمة حال مباشرتها العضوية في كانون الثاني (يناير) ٢٠١٤، ثم تتيح للمشروع السعودي أن يدور في ردهات المجلس والمنظمة بالتداول لأيام كافية لكشف عدم رغبة الدول المتنفذة في الإصلاح، عندها تعلن المملكة العربية السعودية انسحابها من عضوية مجلس الأمن نظراً لرفض مبادرة الإصلاح.
الانسحاب بهكذا سيناريو سيحقق التالي: توثيق مبادرة سعودية لإصلاح الأمم المتحدة في الإرشيف الأممي، الانسحاب المبرَّر كليّاً بسبب رفض المبادرة، الهزة الدولية الأقوى لآثار قرار الانسحاب السعودي بعد وضعه في قدر ضغط المشروع الإصلاحي.
جدير بالذكر أن إصلاح مجلس الأمن لا يمكن أن يتم من دون أن يبدأ بخطوة نزع (قرار الفيتو) وقذفه في المحيط الأطلسي المجاور للدولة الديموقراطية الأكبر في العالم. وقد أشرت في كلمة لي أمام السيد بان كي مون، العام الماضي، إلى أن «مبدأ الفيتو هو نظام أحادي استبدادي مستجلب من أدبيات القرون الوسطى ولا ينسجم أبداً مع أدبيات عصرنا الذي نعيشه، وهو مناقض تماماً لإعلان حقوق الإنسان الذي تدافع عنه الدول الكبرى قبل الصغرى، والذي يرتكز على سواسية الدول والشعوب، كما أنه منافٍ للديموقراطية التي تحث عليها دولة المقر». ثم أضفت للاستدلال على سوأة الفيتو إنه «ليس جديداً القول بأن (الفيتو) لم يُستخدم يوماً لمصلحة الإنسان المستضعف بل لمصلحة الإنسان القوي. الدولة الإسرائيلية المحتلة تعبث بفلسطين أرض الرسالات وتضطهد أهلها وتخرّب هوية القدس …، ولا يحميها في اعتداءاتها هذه سوى قرارات (فيتو) من طرف، والإنسان السوري اليوم يُقتل والتراث السوري يُدمّر، ولا يحمي هذا التخريب سوى قرار (فيتو) من طرف آخر»، ثم ختمت كلمتي أمام أمين عام الأمم المتحدة بالتمني: «أن تكون مناسبة مرور 70 عاماً على قيام الأمم المتحدة في عام 2015 هي الموعد المضروب لإلغاء هذا المبدأ المناقض لمبادئ الأمم المتحدة، وإصلاح منظومة الأمم المتحدة بشكل عام». (انظر نص الكلمة في مقالتي: «بان كي مون في اليونسكو»، ١٧ تشرين الأول /أكتوبر ٢٠١٢).
http://alhayat.com/Details/445187
قلت هذا الكلام ولم أكن أعلم حينها أن بلادي المملكة العربية السعودية ستأخذ مقعدها في مجلس الأمن في المدة من ٢٠١٣ حتى ٢٠١٥، الذكرى السبعينية المأمولة لإصلاح المنظمة.
عودة إلى الانسحاب السعودي الذي لا يمكن للجميع أن يتفقوا إن كان قد جاء مبكراً أو متأخراً، بناء على ما تكتنزه دوائر صنع القرار السعودي من معلومات قد لا يقبل رد الفعل عليها التقديم أو التأخير، لكن سيتفق الجميع حتماً أن القرار السعودي بالانسحاب من عضوية مجلس الأمن كان قراراً نوعياً وسيحدث أثراً لا يستهان به، فالدول غير الهامشية لا يمكن أن تكون قراراتها هامشية.
* كاتب سعودي
Twitter | @ziadaldrees