في أعقاب موسم حج انقضى لتوه فإن زيارة الملك عبدالله الثاني للمملكة العربية السعودية تكتسب أبعاداً عملية عديدة لا تتعلق بالعلاقات الثنائية الاستراتيجية والراسخة بين البلدين في مجالات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بل تتخطى إلى تشعب علاقات البلدين وتدخلاتها في الوضع الاقليمي والدولي وحجم التحديات القائمة وضرورة تذليلها وايجاد مخارج لها لحفظ مصالح البلدين والمنطقة..
الاصطفاف السعودي في القضايا الساخنة الاقليمية والدولية يأخذ الصفوف الأولى اذ أن المملكة العربية السعودية حين تعلن مواقف واضحة ومحددة فإنها تقصد ذلك ويلتفت العالم لذلك باهتمام واضح كما جرى أخيراً في الموقف من مشاركتها في العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن والتي تستمر سنتين واعتذار السعودية المعلل عن ذلك باعتبار أن هذه المنظمة الدولية مشوبة في عملها بالكيل بأكثر من مكيال والانحياز إلى جانب مواقف ومجافاة أخرى وقد تبدى ذلك في حالتين واضحتين غير الحالات المتعددة الأخرى وهما الحالة من النظام السوري الذي لم يعاقبه المجتمع الدولي ودوله النافذة وهيئاتها الدولية بما يكفي للرد على أعمال هذا النظام في ضرب شعبه بالسلاح الكيماوي أما القضية الثانية التي لم تجد لها حلاً وظلت تفرز مضاعفات خطرة على السلام والاستقرار الدوليين في الشرق الأوسط وخارجه فهي القضية الفلسطينية التي ظلت الولايات المتحدة وحلفائها يعملون على ادارة أزمتها دون تقديم حل وحماية المصالح الاسرائيلية التوسعية والدفاع عنها وتسخير مجلس الأمن بالفيتو لذلك..
الزيارة الملكية محاولة لقراءة أردنية سعودية للموقف السعودي والقرار الناشيء عنه وتقديم دعم أردني في سياق فهم متبادل ومشترك يوظف القرار السعودي وابعاده عن الحرد أو العدمية كما تحاول أطراف معادية أن تصفه وجعله وسيلة عملية لضغط ايجابي هادف في سبيل استعادة موقف عربي أكثر تماسكاً وأهلية لخدمة القضايا العربية في الاقليم والعالم وخاصة في الموضوعين اللذين بررت بهما السعودية موقفها.
الملك في الرياض وفي تنسيق واضح ومستمر مع اصحاب القرار هناك في محاولة لاعراب الجملة المصرية التي حاولت قوى مصرية وخاصة الاخوان وتحالفاتهم الدولية منع هذه الجملة المهمة من الاعراب وجعلها معترضة أمام مصالح مصر العليا ودور مصر الذي يجب استعادته عربياً واقليمياً ودولياً بعيداً عن الأهداف والمصالح العربية وعن تشويهه والعمل على تأليب العالم عليه..
الزيارة الملكية ستبني مداميك جديدة في العلاقات لمواجهة تحديات الارهاب الذي يضرب في أكثر من مكان في المنطقة والاقليم وخاصة ما تواجهه مصر في سيناء وما يواجهه الشعب السوري الاعزل على يد مختلف القوى المتصارعة على أرضه..
والزيارة تستفيد من مداولات الجمعية العامة ومجلس الأمن ومن ما بذله الفلسطينيون من جهد في عودتهم للمفاوضات وسط ضغوط دوليه أرادوا كسبها حتى لا تسجل عليهم اسرائيل انهم يجهضون فرص السلام في حين ما زالت حكومة اليمين الاسرائيلية تقطع الطريق على كل محاولة جادة لبناء السلام وذلك بمزيد من العدوان والاستيطان وتهويد المدينة المقدسة..
العلاقات الأردنية السعودية هي حجر الزاوية لاعادة التوازن لاقليم ومنطقة اختلت وفقدت السيطرة ولا بد من تقديم تصورات مشتركة أمام ذلك فالحالة العراقية تتفاقم والحالة السورية تفتح على حرب أهلية وجنيف (2) الموعود بتقديم حلول ما زالت التجاذبات عليه قوية وترهن السعودية موافقتها على حضوره بمواقف تضمن نجاحه لصالح حرية الشعب السوري وليس استمرار اجترار الحالة السورية ..حان وقت المراجعة لقضايا كثيرة أفرزتها مرحلة الربيع العربي التي عصفت ببقية الاستقرار بدل أن تدعم روافعه حين أفرزت صراعات ولم تفرز تصورات دقيقة أو تتسلح بتنظيمات قادرة على افراز مؤسسات قادرة على الحكم أو مؤمنة بالمشاركة وبناء الدولة المدنية أو نقل المجتمعات العربية الغاضبة والفقيرة الى مربعات أفضل وحياة اكرم..
التنسيق الأردني السعودي الذي يعززه موقف دول الخليج من تصورات محددة وعملية هو الرهان على اعادة انقاذ المنطقة فالسعوديون غاضبون لأن الشعب السوري ترك للقتل وتعمقت جراحه وتلوثت وهناك من أراد خطف حركة التغيير العربية باتجاهات خطيرة تشوه صورة الاسلام وتلصق به الارهاب أو تجعله نقيضاً للمصالح الدولية..
اللقاء الأردني السعودي هام وقراراته هامة فالوضع في المنطقة من اليمن جنوباً الى سوريا شمالاً ومصر غرباً والعراق شرقاً وتحديات أخرى ما زالت تنتظر تحتاج الى رؤية القيادتين وارادتهما وبصيرتهما وحرصهما..
alhattabsultan@gmail.com