مضى عام بكامله على حكومة الدكتور عبدالله النسور وها هي تكسر حاجز العام الثاني ولا يوجد تقييم دقيق لأداء الحكومة فقد ظل التقييم الدقيق يغيب عن حكوماتنا المتعاقبة ويجري الاكتفاء باللجوء إلى الانطباعات أو الآراء الشخصية أو اختلاف نسب الارتياح لحكومة عن الأخرى..
لا أعرف لماذا تغيب حتى الآن الوسائل الدقيقة لقياس أداء الحكومات قياساً إلى معيار ثابت يمكن الاحتكام اليه ولا أدري اذا ما كنا في يوم من الأيام وأتمنى قريباً أن نصل إلى معيار محدد يقاس به أداء الحكومات ومعرفة مدى درجة قبولها وما سجلته من انجازات أو ما أخفقت فيه من قرارات أو خطوات..
ولأنني سأترك انطباعاً ايضاً ورأياً شخصياً أعرف أن البعض سيرحب به ويقبله ويؤيده في حين سيسارع البعض الآخر إلى رفضه وعدم قبوله بل واتهامي عليه..أعتقد أن حكومة النسور في نهجها هي حكومة وطنية بوضوح وإن لم تكن شعبية بوضوح فقد اتخذت قرارات صعبة لها علاقة بحياة الناس مدفوعة اليها بالضرورة التي اتفهمها وهي ضرورة وطنية قد يكون لعدم اتخاذها مضار وأعراض بليغة ولذا فإنني أعتقد أنها حكومة شجاعة واستطيع أن أصرف هذه الصفة بثقة لرئيسها الذي أثبت قدرة على التحمل والمتابعة والتحليل وتراكم الخبرة وعلى الاصرار احياناً..
جاء النسور إلى رئاسة الحكومة متأخراً قليلاً قياساً إلى اعمار رؤساء الحكومات في غالبيتهم وقد كان كثير من الأردنيين قد وصفوه بالذكاء الحاد والقدرة على المناورة وادارة الأزمات وعدم الفزع أو الخوف ولا أعتقد أن وصف السفير الأميركي للنسور بالشجاع يندرج عند العاقلين في باب الصرف السلبي وانما الايجابي وهو يستحق ذلك من كثير من الأردنيين قبل الأميركي الذي قد تكون شهادته مجروحة لأسباب وعوامل تقليدية وموروثة.
جاء النسور ليخبز قراراته على نار أهدأ من التي عاشها من قبله من رؤساء الحكومات حين كان نار الربيع العربي وتأثيره على الأردن موضوعياً وذاتياً قوياً فلم تصمد حكومات لأنها لم تأخذ وقتها أو لأنها جرى تقديمها كفدية ورغبة في استمرار قبول الآراء والنقد حتى لو لم يكن صائباً وفي هذا السياق كانت سياسة الأمن الناعم والتي وإن نجحت فقد تركت أعراضاً سلبية شبيهة باعراض الدواء الذي تعرف مضاره ولكن الحاجة اليه ماسة..
أعرف كيف يفكر الدكتور النسور وقد زاملته في جمعية الشؤون الدولية وهو صاحب مقدرة على الحوار وطرح الأسئلة ومعرفة الآخر ونواياه ورغباته ولا أقول أنه ليس له سلبيات منها الاعتداد بالراي.. ولكن تبقى مواصفات حكومة النسور لائقة لهذه المرحلة وقد استطاعت أن تؤسس الكثير من القناعات وان تبني مجموعة قرارات صائبة وهامة ووطنية واعتقد أن هذه الحكومة بحاجة الى مساحات أوسع من الحركة وإلى دعم أكبر وأكثر وإلى اسناد يمكنها من العبور بالأردن الى وضع أفضل لا تتسع هذه المقالة الانطباعية لايراد أبرز المحطات التي وقفت فيها هذه الحكومة وأحدثتها وانجزتها فهي كثيرة رسمت فيها مواقف كانت بحاجة ماسة الى الترميم وبنت مداميك فوق الأرض وأخذت خطوات الى الأمام ايجابية على المستوى السياسي (زيارة مصر وإدارة الأزمة مع سوريا) وعلى المستوى الاقتصادي محاولة اعادة الانطلاقة بالاقتصاد الأردني وعلى مستوى محاربة الفساد فإن الأمر لم يتراجع.
هذه الحكومة مدعوة لتطوير علاقاتها العربية وخاصة الخليجية بشكل افضل وان تعاود عكس تعليقات ايجابية تستفيد من الدور الكبير الذي بناه الملك في هذه العلاقات ولعل توسيع هوامش العمل لوزير الخارجية ناصر جودة يشكل مدخلاً مناسباً لذلك بعد أن أثبت قدرة على انجاز خطوات تخدم النهج الملكي وتؤسس عليه..
بدخولها العام الثاني أعتقد أن حكومة النسور ستنجز أكثر وستستفيد من خبرة السنة الأولى فرئيسها لا تنقصه الخبرات ولا الادارة أوالقدرة على الاقناع والمناورة وهو بحاجة إلى أن يعيد بناء الثقة وتراكمها مع أوسع القطاعات الشعبية والعامة وأن لا يبقى في منزلة بين المنزلتين لا هو مع المتنفذين والطبقات الميسورة والقادرة على التحريك والاستثمار أو مع الطبقات الفقيرة التي تعتقد وهماً أن الحكومة ليست معها دون ادراك للضرورات الوطنية.
alhattabsultan@gmail.com