عروبة الإخباري – تلفت انتباه الروائية كفى الزعبي، التي وقعت ليلة امس الاربعاء، روايتها “شمس بيضاء باردة”، خلال حديث مع قارئ، معلومة انه عانى ذات مرة كثيرا حين عاش في غرفة بلا نافذة، سبقه فيها عجوز لم ينتبه اليه احد. رأت الزعبي التي كانت تتحدث في احتفائية التوقيع في “مسرح الشمس” قبالة وزارة الصناعة والتجارة، أنه يمكن توظيف هذه المعلومة في رواية وهو ما استغرق ثلاث سنوات، وتحميلها مضامين ودلالات اسطورية عبر مقاربة مع ملحمة جلجامش، لكن بابطال من الزمن الحديث الذين لا يخوضون صراعات ملحمية أثناء طرحهم للاسئلة الكبرى حول الحياة والموت والمغزى والعبث. الزعبي اضافت في شهادتها الابداعية حول الرواية، ان ذلك الحديث الذي اسس هاجسا لكتابة الرواية ، حفر في نفسها عميقا، مستفيضة في شرح المتواليات التي تمخضت رواية صدرت ومنعت ومن ثم اجيزت.
في احتفائية التوقيع التي حضرها عدد كبير من الروائيين والكتاب والمهتمين، قدم الشاعر والناقد مهدي نصير، قرآءة تفكيكية وتحليلية للمبنى والمعنى، وسلطت الضوء على بعدي الرواية الواقعي والمجازي وتوزايهما مع راهنية المجتمعات العربية التي تستمطر اسئلة وجودية هي الاكثر سبراً ونقدا لجوانية تاريخها الحضاري منذ قرون.
وقال نصير في الاحتفائية التي ادارها الفنان رشيد ملحس؛ بقراءته التي عنونها بـ”انمساخ الاسطورة في تجليها التاريخي”، إن رواية كفى الزعبي التي منع تداولها في الاردن “شمس بيضاء بارة” ثم تم السماح بتداولها لاحقا هي رواية جديدة بقراءتها للواقع في عين الاسطورة اذ تقرأ الرواية كيف انمسخت الاسطورة في تمثلها وحضورها التاريخي.
“هذه الرواية هي رواية انمساخ الاسطورة العليا وانهيارها وتحولها لنماذج بشرية تائهة ضائعة وغير قادرة على الفعل وتنتهي شخصياتها الرئيسة : احمد الى الانتحار وراعي لمصح عقلي”، بحسب نصير الذي يصف هذه الرواية بـ”العالية”، ويدعو الى انها “تستحق” ان تقرأ وتناقش ويعقد لها حلقات نقاشية تقرأ المناخات الواقعية البائسة للانسان والمثقف العربي غير القادر على الحضور والتفاعل مع واقعه والتأثير فيه وغير القادر على التماهي مع قيمه الاسطورية الجمعية العالية وارتداده وخيانته لهذه القيم العليا. ولفت نصير الى تفكيك اسطورة “جلجامش” في الرواية وتبيئتها عبر شخصيات واقعية مأزومة وبائسة ومحاولة اعادة بناء الاسطورة من جديد عبر التقاط ركام الاسطورة التاريخي ومزجها من جديد بعيدا عن نسق الملحمة الذي نعرفه كان واحدا من تقنيات هذه الرواية الجديدة التي تقرأ في تحولات الاسطورة التاريخية في الشخصيات الواقعية.
وقال ان رواية “شمس بيضاء باردة” تقرأ البؤس الاجتماعي والاقتصادي والنبذ الذي تعاني منه شخصياتها الرئيسة وعدم قدرتها على التكيف والاندماج في واقع مشوه متعصب ومغلق وعدواني تجاه الاختلاف، وترصد الرواية كذلك جذور التخلف والتسلط الاسري الذي يدفع هذه الشخصيات للتمرد الفاشل والناقص وغير القادر على تقديم نموذجه والدفاع عنه مما يسوقها لنهايات مأساوية تؤشر لازمة الانسان العربي المعاصر الفاقد لنماذجه الاسطورية العليا القادرة على الفعل الابداعي في اجتراح حلول وجودية لازمات هذا الانسان الذي يتحرك بتسارع مجنون نحو الانهيار.
ولفت نصير الى بعض الملاحظات التي تؤشر للتحليل الذي ذهب اليه حول الرواية ومنها انها في بنائها العام رواية واقعية ووجودية في حركتها العامة تحوي نقدا للناس البسطاء في بعض ما يعتقدون، علاوة على بعض الصور الشعرية التي تعكسها نهاية الرواية والتي تمثل خلود الخواء والعبث واللاجدوى.
وقال ان الرواية عملت باحتراف عال على نسج الخيوط التي تربط بين الواقع التاريخي المعيش وبين ملحمة جلجامش دون الاخلال بواقعية احداث الرواية وواقعية شخصياتها، لافتا الى انها اول رواية عربية تعيد قراءة انهيارات وتحولات جلجامش وانكيدو وعشتار والفداء بثوب واقعي اسطوري عميق.
وفي الاحتفائية التي اسست لنهج جديد في استقرآء رأي القراء المثقفين من جيل الشباب، قدمت اسيل الزبن مداخلة القراء التي قالت فيها ” نحن امام عمل ادبي شديد الواقعية كأدةا لنقد المنظومة الاجتماعية من خلال ازماته وعلاقاته بمحيطه”.
ولفتت الى انها كلما تقدم القاريء في قرآءة الرواية سيجد ان لها طبقات عدة متمثلة بالاسئلة الوجودية والجانبين الاسطوري والاجتماعي.