أعدت مشاهدة الحلقة التلفزيونية للمناضل الفلسطيني الراحل أكرم زعيتر، وأنا من كان نفذها في ثمانينات القرن الماضي. فالرجل ليس سهلا بما يملك، له يوميات دونها منذ العشرينات من القرن الماضي، وظل يدونها إلى أن جاء أجله.
تظهر تلك اليوميات كيف تم التآمر على فلسطين وصولا الى النكبة الكبرى كما سماها قسطنطين زريق. زعيتر كان قد عايش قادة كبارا مثل المناضل عز الدين القسام الذي جاء من قرية جبلة في سورية ليدافع عن فلسطين .. كثيرون شعروا بالمؤامرة على ذلك القطر العربي وحذورا منه .. امين الريحاني القى كلمة في الامم المتحدة عن تلك المؤامرة، وانطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي كتب الكثير في هذا الصدد، والشعراء الفلسطينيون الذين عاشوا تلك المراحل سجلت اشعارهم اشعارا بالخطر الداهم على بلدهم.
ويقول اكرم انه في الاضراب الكبير الذي بدأ عام 1936 ، لم يبق مكان في فلسطين الا وساهم فيه، وتحولت الكوفية آنذاك الى شعار المرحلة، فاصدرت السلطات البريطانية قرارا بسجن وقتل كل من يضعها على رأسها، فما كان من الشعب الفلسطيني بأكمله الا ان نزل في اليوم الثاني وكل ابنائه لبسوا الكوفية تحديا للقرار البريطاني.
ويقول اكرم، لم يكن لدينا سلاح ولا تنظيم، كان كل مجموعة تشتغل على هواها، فيما كان اليهود مشغولين بالتحضير لابتلاع فلسطين وكانت بريطانيا تدربهم وتقدم لهم السلاح الذي يحتاجونه، اضافة الى جلب المستوطنين من جميع انحاء العالم.
ويضيف، كان الاضراب ستة اشهر كاملة، عاش فيها الفلسطينيون بلا عمل وهم يتساعدون، الموسر يساعد المعسر، ويقسم ان ليس من ثورة في التاريخ ظلت طويلا وبهذه الطريقة، واشتعلت اكثر حتى دامت ثلاث سنوات.
في تلك الحلقة التي دامت ساعة كاملة، ظهر فيها ماهو معروف وغير معروف عن الواقع الفلسطيني آنذاك، والاجتماعات التي كانت تعقد هنا وهناك من اجل القضية الفلسطينية .. وفي اليوم الذي زار الملك فيصل الاول القدس، اطلق الشاعر الفلسطيني الراحل ابراهيم طوقان أبياتا من الشعر يسأل فيها الملك هل جاء لتوديع المسجد الاقصى .. الخوف على سلخ المسجد ليس جديدا، انه من تلك الازمنة التي تربو على المائة عام . ومما قاله الشاعر طوقان:” ياذا الامير امام عينك شاعر / ضمت الى الشكوى المريرة اضلعه / المسجد الاقصى أجئت تزوره / ام جئت من قبل الضاع تودعه”.
هذا الوضوح في حقيقة القدس التي ننظر اليها اليوم بعين دامعة، وبقبضات من الغضب الشديد على ماآلت اليه، سوف نكتشف دائما ان ماعشته تلك المدينة المقدسة لم يكن جديداابدا، وهي كانت محل صراع طويل اشده بشاعة ماجرى بين الصليبيين والمسلمين من صراعات دامية أدت في بعضها الى طوفان الدم في شوارعها حين انتصر الصليبيون في بعض المعارك فأعملوا القتل في أهلها ولم يتركوا لاولدا ولا رجلا ولا امرأة ولا حتى بيتا.
نحتاج دائما لنعرف أكثر عن فلسطيننا التي هي معركتنا الدائمة، بل هي المولد لكل تلك الأزمات التي تعصف بالأمة مذ تاريخ النكبة والى اليوم، بل الى الغد وبعده، فلطالما هنالك وجود لاسرائيل هنالك بالمقابل انعدام للامن العربي ولوجود امة قادرة وفاعلة وموحدة، بل مجزأة ومقسمة وتعيش حروبا مصطنعة من اجل ابقاء الفوضى اساس عيشها كي لاتقوم الى التقدم والرقي.
في وداع المسجد الأقصى !/زهير ماجد
14
المقالة السابقة