عروبة الإخباري – رسّخت قمة طهران التي عقدت أمس، اتساع الفجوة بين زعماء الدول الضامنة لـ «آستانة» (روسيا وإيران وتركيا) في شأن التعاطي مع الوضع في محافظة إدلب (شمال غربي سورية)، التي شهدت استمراراً للقصف السوري- الروسي، وتظاهرات مناوئة للنظام السوري والروس. في الوقت ذاته، اقترح الموفد الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا خلال جلسة لمجلس الأمن خصصت لمناقشة الوضع في إدلب، خطة لفصل «جبهة النصرة» عن المعارضة المسلحة.
ورأى الموفد الأميركي المكلف ملف سورية جيمس جيفري، أن «الوقت حان لمبادرة ديبلوماسية كبيرة تشمل الأمم المتحدة والحلفاء»، مشدداً على أن «الرئيس بشار الأسد ليس لديه مستقبل كحاكم، ولكن ليس من مهمة الولايات المتحدة التخلص منه». وأضاف: «أميركا ستظل في سورية لإلحاق هزيمة دائمة بتنظيم داعش، وهو ما سيستغرق وقتاً».
وبدا واضحاً خلال القمة الروسية- التركية- الإيرانية التي استضافتها طهران أمس، التباين بين قادة «ضامني آستانة»، وسط محاولات كل منهم التركيز على القضايا التي تهم بلاده بالدرجة الأولى، ففي حين تمسك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإبقاء الوضع على ما هو عليه في إدلب، وإعلان وقف النار، معتبراً ان التوصل الى مثل هذا الاتفاق سيكون «نصراً لقمتهم، مع استمرار الجهود لفصل الإرهابيين»، رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الطرح التركي، لافتاً إلى «غياب ممثلي المعارضة عن الطاولة، وبالتأكيد لا وجود لممثلي جبهة النصرة وداعش… ولا يمكننا التأكيد بدلاً من إرهابيي جبهة النصرة وداعش أنهم سيتوقفون عن إطلاق النار واستخدام الطائرات المسيرة (درون) المزودة عبوات ناسفة». لكن بوتين تمسك بـ «استمرار العمل بروح آستانة، الذي يضمن التوصل إلى حلول»، داعياً إلى «استمرار المشاورات بين وزارتي الدفاع والخارجية والأجهزة الأمنية في شأن إدلب»، وشدد على «حق» الدولة السورية في «بسط سيادتها على كل أراضيها»، كما لم ينس المطالبة بـ «تكثيف جهود إعادة الإعمار وعودة اللاجئين».
أما الرئيس الايراني حسن روحاني، فأكد «أهمية إنهاء الوجود الأميركي غير الشرعي في شرق سورية، والذي أدى إلى تصعيد الأوضاع هناك»، محذراً من «الخطر الوجودي» للهجمات الإسرائيلية على سورية.
وفي البيان الختامي، الذي جاء معظم عباراته مكرراً وتضمن صياغات فضفاضة، اتفق القادة الثلاثة على عقد قمة جديدة في موسكو من دون تحديد موعدها. وأوضح البيان أن القادة «تناولوا الوضع في إدلب، وقرروا معالجته بما يتماشى مع روح التعاون»، مؤكدين عزمهم على التعاون للقضاء على التنظيمات «الإرهابية». وكرروا تمسكهم بـ «حل الصراع السوري عبر عملية سياسية»، وتعهدوا «مواصلة التعاون للدفع بها». وحضوا على «زيادة المساعدات الدولية إلى سورية»، ووافقوا على عقد مؤتمر دولي يخصص لمناقشة ملف اللاجئين.
وفي نيويورك، قدم دي ميستورا إلى مجلس الأمن خطة لفصل «جبهة النصرة» في إدلب عن المعارضة المسلحة والمدنيين، مطالباً أنقرة وموسكو بضمان تنفيذها، لتجنب الحل العسكري.
وأبلغ دي ميستورا مجلس الأمن أمس، أن على المجتمع الدولي أن يستمع إلى أصوات سكان إدلب الذين «تظاهروا سلماً ورفضوا رفع أعلام جبهة النصرة». وأوضح إن الخطة تقضي بأن «تعلن المجموعات المسلحة في إدلب انفصالها عن النصرة، على أن يعلن السكان أنهم لا يريدون النصرة في بلداتهم من خلال المجالس المحلية». وأكد أن النفوذ التركي على المجموعات المسلحة عامل أساس في دفعها الى النأي بنفسها عن «النصرة»، كما أن النفوذ الروسي «أساس لضمان وقف العمليات العسكرية إفساحاً في المجال أمام التنفيذ». ودعا مجلس الأمن إلى دعم الخطة التي «قدمها» له «ناشطون في إدلب».
دي ميستورا أبلغ المجلس أن عدد سكان إدلب يقدر بحوالى ٢.٩ مليون شخص، بينهم أقل من ٤.٥ في المئة من الإرهابيين، إضافة الى مسلحين من مجموعات غير إرهابية، «ما يدل على حجم الكارثة التي يمكن أن تشهدها المحافظة». وحض على «منح الناس ممراً آمناً الى الأماكن التي يختارونها إذا أرادوا المغادرة».
وشهدت الجلسة استمراراً للسجال الروسي- الغربي حول العملية العسكرية المرتقبة في إدلب، إذ شددت السفيرة الأميركية نيكي هايلي على أن «أي هجوم على إدلب سيكون تصعيداً خطيراً للنزاع في سورية»، مشيرة إلى اقتناع الولايات المتحدة بوجود «طرق أخرى للتعامل مع الإرهابيين» خلافاً لما تعلنه روسيا. في المقابل، اتهم السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا الولايات المتحدة والدول الغربية بالسعى الى «تغيير النظام السوري، وعرقلة إعادة الإعمار»، وقال إن واشنطن «في حال هستيريا حول إدلب كي لا يسقط آخر معاقل الإرهابيين».