سأستمر في الكتابة والكلام، كما فعلت على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، والقول إن أميركا، والدول الغربية عموماً، ليست مرهونة لا لإسرائيل ولا لما يسمى «الصهيونية العالمية»، وبالتالي أرفض نظرية المؤامرة، ولا أرفض حقيقة ما تقوم به كل دولة من وضع خطط واستراتيجيات تتعلّق بمصالحها، وكلما كبرت أو قويت الدولة زادت خططها، وزاد تعقيد ما تضعه من استراتيجيات مستقبلة نميل إلى تسميتها، ضعفاً وهواناً، بالخطط التآمرية، مع أن الضعف والتخلف بلغا بنا، على مدى نصف القرن الماضي، درجة أصبحنا فيها بغير حاجة الى أن يتآمر الآخرون علينا، فنحن خير من يقوم بحفر قبور بعضنا لبعض.
يعتبر مايكل كوهين النيويوركي والمحامي اليهودي الأشهر ومستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثالاً، طالما ذكرنا ما يقاربه، للدلالة على عدم صحة نظرية سيطرة اليهود والصهيونية العالمية على مقدرات أميركا، على الأقل ليس إلى تلك الدرجة التي يتصورها الكثيرون. الحقيقة المطلقة أن من يمتلك المال والعقل والإرادة في العالم الرأسمالي يستطيع، نظرياً وإلى حد كبير، السيطرة على أمور كثيرة، ولكن دائماً إلى حد ما!
فتاريخياً، لم يأت رئيس مؤيد لإسرائيل كدونالد ترامب، وتاريخياً لم تقف الصحافة الأميركية، بكل أطيافها، عدا اليمنية المتطرفة منها، ضد رئيس كما وقفت ضد ترامب، ومع هذا ندعي أن الصحافة الأميركية تمتلكها وتديرها وتسيطر عليها الصهيونية العالمية، وإسرائيل بالذات.. هذي شلون ترهم؟
كيف يمكن لإسرائيل، التي تتحكم في أميركا، كما يقال، وتعجز في الوقت نفسه عن إنقاذ الملياردير السينمائي العملاق هارفي وانستين، رجلها في هوليوود، من فضائحه وتمنع طرده وخسارته لكل شيء؟
وإن كانت أميركا في جيب إسرائيل الخلفي، فما حاجة الأخيرة إلى التجسس على الأولى، ليقع جاسوسها بولارد في قبضة الأمن الأميركي ويحكم بالسجن المؤبد، وتفشل إسرائيل في إقناع أكثر من 5 رؤساء أميركيين متعاقبين على العفو عنه، قبل أن يقضي في السجن ثلاثين عاماً، وهو الذي حمل الجنسية الإسرائيلية منذ اليوم الأول للحكم عليه؟
وكيف سكتت إسرائيل على قيام قاض أميركي في محكمة متواضعة في إصدار حكم على كوهين، المحامي اليهودي الأشهر في أميركا ومحامي الرئيس ترامب، وإنهاء حياته السياسية والمهنية من دون أن تستطيع فعل شيء لإنقاذه؟ من يهن يسهل الهوان عليه، وقد هانت علينا سمعتنا وهانت لدينا حقوقنا، وهانت علينا نفوسنا، فأصبحنا مطية لكل دجال أثيم، ولا يخفف من هوان حالنا غير الإيمان والقول إن الجميع يتآمر علينا!
هوان الحال وخرافة المؤامرة/ أحمد الصراف
12
المقالة السابقة