أشاعت لقاءات الرئيس حسن روحاني نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن خطاب أوباما، أجواء من التفاؤل في الأوساط السياسية والديبلوماسية المعنية بمسائل الشرق الأوسط، وانتقادات وصلت إلى حد اتهام الرئيس الأميركي بالضعف أطلقها بعض حلفائه. فهل تغيرت إيران أم الغرب تغير؟
صحيح أن للرئيس الإيراني، أي رئيس، رأيه وتأثيره في السياسة الخارجية لبلاده، لكنه يبقى جهة تنفذ خطط المرشد وتوجهاته. والاستنتاج المنطقي يؤكد أن خامنئي ليس بعيداً عن الحراك الديبلوماسي الذي يقوده روحاني. وأن التغيير بدأ في أعلى هرم السلطة في طهران، له أسبابه المختلفة عما يشاع عن تحول إيران إلى الاعتدال، وكأن هذا التحول حصل من دون مقدمات، أو كأن الرئيس الجديد انتقل ببلاده فجأة من «محور الشر» إلى «محور الخير»، مستلهماً الغيب في رسم سياساته.
الواقع أن إيران التي خاضت الحرب في بلاد الشام بكل قواها أدركت أن تراجع الولايات المتحدة وحلفائها عن الهجوم العسكري على سورية شكل نقطة تحول في سياسة هذا المحور، أوضحه أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حين شدد على الحلول السياسية، بالتعاون مع روسيا ومجلس الأمن، وأشار إلى إمكان تسوية قضية الملف النووي الإيراني، من دون اللجوء إلى القوة. وإلى وضع حد للحروب في سورية من خلال الحوار مع المعنيين بهذه المسألة.
قابل الإيرانيون الخطاب الأميركي بخطاب مماثل، فأعلن روحاني أن بلاده لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية لأنها محرمة إسلامياً، وشدد على استخدام هذه الطاقة للأغراض السلمية.
التفسير الوحيد لهذه المرونة في الخطابين الأميركي والإيراني هو أن البلدين وصلا إلى قناعة بأن الحل العسكري في سورية لم يعد وارداً. ولكل منهما أسبابه التي قد تلتقي عند نقطة محددة. واشنطن التي تراجعت عن الهجوم العسكري على دمشق ترى أن سورية ضعفت إلى حد لم تعد تشكل خطراً على أحد. ولم تعد المركز القوي المحصن لمحور الممانعة، بل أصبحت عبئاً عليه، فضلاً عن أنها لن تستقر خلال سنوات طويلة. ثم بالإمكان تسوية قضية النووي الإيراني، مقابل رفع العقوبات عن طهران، وبجهد مشترك مع روسيا.
في المقابل توصلت إيران إلى أن في استطاعتها الاحتفاظ بنفوذها في المنطقة، ولعب دور أكبر فيها إذا كانت متصالحة مع الغرب من دون الخضوع لإملاءاته، خصوصاً بعد تراجعه عن هذه السياسة، وتخليه عن تغيير النظام في طهران، وإعلان رغبته في إعادة العلاقات معها بشروط مختلفة.
كان رد الفعل السلبي على خطاب أوباما، في الولايات المتحدة ووسط حلفائها، طبيعياً. في الداخل رأى اليمين المتطرف أن الرئيس تخلى عن التزامات واشنطن مقابل لا شيء وأنه أعلن هزيمته قبل أن يخوض الحرب، وترك إيران تمد نفوذها حيث تشاء. وتخلى عن دعم إسرائيل التي أذهلتها توجهاته. وأحس نتانياهو بأنه خدع من «بيت أبيه». أما الحلفاء الآخرون، خصوصاً تركيا، و «الإخوان المسلمين» في مصر وغيرها فعقدوا مؤتمراً في إسطنبول وآخر في باكستان لتدارس الموقف ووضع خطط جديدة، لا تخلو من اللجوء إلى العنف لمواجهة المتغيرات الدولية والشرق أوسطية.
لكن كل هذه المواقف والمؤشرات، ما زالت في بداياتها وتحتاج إلى وقت طويل لتطبيقها. وهي لا تعدو كونها تنظيماً جديداً لإدارة الصراع في المنطقة. تنظيم على أساس التحولات الأميركية والإيرانية، وإعادة صوغ العلاقة بين الحلفاء.
مصطفى زين/إدارة جديدة للصراع في الشرق الأوسط
17
المقالة السابقة