هل منطقة الأغوار الشمالية من الجانب الفلسطيني هي الخاصرة الرقيقة في المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية الدائرة بلا متابعات اعلامية والتي منع الحديث عنها وجرى حجبها وراء الكواليس وتفتيش العابرين اليها حتى لا يكون بين ظهرانيهم او في جنوبهم صحفي أو راغب في الحديث عما يجري قبل أن يصعد الدخان الابيض ويبدأ التدافع للخروج من خلف الابواب كما رأينا في تدافع الرئيس الراحل عرفات مع اسحق رابين على مدخل احد الابواب في قاعة المفاوضات في كامب ديفيد وقبل أن يصرخ عرفات في المؤتمرين قائلاً «ايه القدس عاوزين تمشوا في جنازتي..اطلبولي الملك فهد اولاً» ويبدو أن الأغوار الشمالية في الحدود الفلسطينية الأردنية ذكرت في التفاوض مرتبطة ببقاء استيطان الاسرائيليين فيها فما كان من الرئيس عباس الا التشديد على ذلك بالقول «الأغوار فلسطينية وحدود الدولة الفلسطينية في الشرق هي مع الأردن ولن نقبل بوجود الاسرائيليين إلى شرقنا»
لماذا تصر اسرائيل أن تبقى في الأغوار الفلسطينية وأن تتمسك بها كما لو انها القدس..ما هو دافعها إلى ذلك وهي تدرك أن الجوار الأردني مصان وفيه دولة قوية تتمسك بمعاهدة سلام مبرمة لم يسبق لها أن نكثت أو اعتدت وهي حريصة على أن يصل الفلسطينيون والاسرائيليون إلى اتفاق سلام يتمخض عن اقامة دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني الذي احتلته اسرائيل عام 1967 بما في ذلك شرق القدس والأغوار الفلسطينية..
الحديث عن الأغوار لم يكن يمثل الصدارة فقد ظل الحديث عن القضايا الاساسية في التفاوض للمرحلة النهائية والمقصود ما بعد مرحلة أوسلو ومفرداتها هي (اللاجئون والقدس والمستوطنات والحدود) فلماذا تقفز الأغوار إلى الواجهة مجدداً؟ ولماذا ظل الرئيس محمود عباس يحرص على تحديد حدود الدولة أولاً قبل الدخول في التفاصيل لأنه كان وما زال يدرك أن الشيطان الاسرائيلي يسكن في التفاصيل وها هو الآن يطلع من الغور كأحد التفاصيل التي تتشكل منها حدود الدولة الفلسطينية..
ويبدو الان أن هناك قنوات تفاوض تجري لا يكشف عن تفاصيلها كما هي الرغبة الأميركية التي تعتقد ان فشل المفاوضات أحياناً كان يقف وراءه التسريبات الاعلامية والتحريض والحملات التي كانت تعيق التفاوض أو تحبطه..فهل حجب الاعلام عن بيئة التفاوض وحيثياته ووقائعه هو العلاج؟ وهل اذا غاب الاعلام نجحت المفاوضات؟..أليست هذه ذرائع واهنة؟..وإلا لماذا تحدث الرئيس محمود عباس فجأة وفي غير سياق عن التمسك الفلسطيني بالأغوار وبحدود الدولة الفلسطينية الشرقية مع الأردن لولا أن هناك عقبة ما زال الاسرائيليون يرهنون المفاوضات لها..
ما هي قصة الاغوار الفلسطينية؟ ولماذا تدور حولها معركة التفاوض مجدداً؟ وتعمل اسرائيل على تفريغها من سكانها بكل الوسائل وبشكل ممنهج..فالعوامل التي تجعل اسرائيل تتمسك بها هي عوامل توسعية اقتصادية وذلك لخصوبة تلك المنطقة الزراعية وكونها تحوي على اكبر مخزون مائي في فلسطين اضافة الى المساحات الواسعة من الاراضي اذ صادرت اسرائيل فيها أكثر من (25) الف دونم وأغلقت مساحات أخرى واسعة ومنعت أحد من الدخول اليها وحولت اجزاء كبيرة إلى معسكرات ومواقع تدريب ومناطق عسكرية مغلقة لنفس الذرائع..
الأغوار الشمالية الفلسطينية المحتلة اذن هي من بين القضايا الخلافية الجوهرية مع الاحتلال الاسرائيلي ويتذرع الاسرائيليون فيها بالأمن ولذا يريدون أن تبقى الدولة الفلسطينية المستقبلية (إن قامت) جزيرة محاطة بالاحتلال من كل الجهات بما في ذلك الجهة الشرقية التي يفترض أن تكون حدودها نهر الأردن..
لدى اسرائيل مخططات لتفريغ (27) تجمعاً سكانياً فلسطينياً في الأغوار الفلسطينية وشمال البحر الميت ولذا وضعت الهيئات العسكرية والأمنية الاسرائيلية في ظل حكومات متعاقبة خططاً لتهويد الأغوار الفلسطينية التي تشكل 30% من مساحة الضفة الغربية وقد بدأ هذا المخطط منذ عام 1967 حين عمدت اسرائيل الى اعتبار منطقة الأغوار منطقة عسكرية مغلقة وجرى اقامة أكثر من (32) مستوطنة فيها (كان قبل خمسة أعوام (21) مستوطنة) وهذه الخطط هي جزء من مخطط شارون للاستيلاء على 60% من مساحة الضفة الغربية وانشاء دولة فلسطينية بحدود مؤقتة حسب خارطة الطريق الاسرائيلية لتكون هذه الخطة هي الدولة الفلسطينية الدائمة وما جدار الفصل العنصري الذي جرى تنفيذه الا لتطبيق العمل لهذه الخطة في مصادرة الاراضي الفلسطينية أما الخطوة التالية بعد الجدار فهي مصادرة اراضي الغور حيث يسكن (2500) مستوطن يسيطرون على كل أراضي الغور الفلسطيني الذي اعتبرته اسرائيل من أراضي الغائبين ومع التنفيذ الذي سيبدأ فإن أريحا ستكون مدينة محاصرة بهذا الاستيطان وستكون (كنتونا) صغيرا فيه..
إن العقيدة الامنية الاسرائيلية ظلت دائماً تتذرع وتخفي وراءها أطماع توسعية ولذا فإن صياغة هذه العقيدة يكشف ضعف الذرائع الأمنية ويبرر الاستيطان والتوسع فقط ليجعل الصراع أمراً مستديماً لا ينفع فيه المعاهدات أو المفاوضات ولا تخفف منه..
alhattabsultan@gmail.com