في العام 2002، قررت الحكومة الاسرائيلية بناء حائط إسرائيلي داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كان الهدف الحقيقي منه هو رسم حدود جديدة لإسرائيل بطريقة احادية والتهام مساحات واسعة من الضفة الغربية والقدس الشرقية وجعل ظروف عيش الفلسطينيين خلف الجدار صعبة جدا الى درجة قد تحملهم على مغادرة الاراضي الفلسطينية المحتلة.
كنت أيامها وزيرا للخارجية، ورأى الأردن ان هذا الحائط قد يتسبب في هجرة قسرية للفلسطينيين خاصة للاردن، وهو بذلك يمثل اضافة لانتهاكه القوانين الدولية ولما يمثله من سلب إضافي لحقوق الفلسطينيين، يمثل ايضا تهديدا حقيقيا لحل الدولتين وخطرا مباشرا على الامن الوطني الاردني.
تبعا لذلك، وبعد التشاور مع سمو الامير زيد، الذي كان في حينه مندوب الاردن لدى الامم المتحدة، اتفقنا على خطة لمجابهة هذا الحائط، واللجوء الى كافة الوسائل القانونية الدولية لمواجهة هذا التطور، وأطلقت الحكومة الاردنية حملة دولية قانونية وسياسية ضد الجدار. وقد لعب الامير زيد دورا محوريا في هذه الحملة، وقام بالتنسيق الوثيق مع البعثة الفلسطينية في نيويورك وتقديم الدعم المطلوب لها، ومع المحامي البريطاني الدولي السير أرثر واتس الذي استعنا به لمعاونة الفريق القانوني المميز في وزارة الخارجية الاردنية.
قامت قيامة اسرائيل ولم تقعد على الدور الاردني، ومارست ضغوطا هائلة على الاردن لثنيه عن مسعاه، ولم نرضخ، حتى جاء قرار المحكمة في التاسع من تموز عام 2004 الذي لم يقتصر على اعتبار الجدار غير قانوني، ولكن اعتبار المستوطنات والاحتلال الاسرائيلي بالكامل امرا غير قانوني واعترافا واضحا بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
يشغل سمو الامير زيد اليوم منصب المفوض العام للأمم المتحدة لحقوق الانسان، وهو منصب يتطلب انتقاد ممارسات اي دولة تقوم بانتهاك حقوق الانسان بغض النظر عن مكانتها او أهميتها الدولية. وفي حين تقاعس معظم من تولوا المنصب عن انتقاد ممارسات الولايات المتحدة والدول الغربية ضد حقوق الانسان، لم يتقاعس الامير زيد عن ذلك، وانتقد وبشدة الولايات المتحدة، والانتهاكات الخليجية في اليمن، والممارسات الاسرائيلية الى الحد الذي وضع فيه قائمة سوداء ضد الدول التي تستورد البضائع المصنعة من المستوطنات الاسرائيلية. وقد أدت صراحة الامير وأداؤه المهني الرفيع لوضع ضغط كبير عليه من الولايات المتحدة عبر الامم المتحدة لتخفيف حدة انتقاداته، فآثر ان لا يترشح لولاية ثانية بدلا من الرضوخ لهذا الضغط.
للأسف، تأتي صحيفة أردنية رسمية اليوم لتهاجم ما سمته تجاهله للخروقات الغربية وهو الوحيد الذي ذهب ابعد بكثير مما فعله غيره في فضح هذه الممارسات. ما بالنا نصر على اكل ابنائنا المتفوقين؟ وما بالنا نحاول التنصل من كل أردني ينجح في الخارج، وهو نجاح يتعدى الشخص ليعلي اسم الوطن؟ ما بال الدولة الاردنية تتجاهل ريما خلف وعون الخصاونة والامير زيد، حتى بات هناك شعور بان كل من ينجح في الخارج خارج كنف الوظيفة الرسمية غير مرحب به و بآرائه؟
غريب كيف أضحت معاداة النجاح لدينا عادة متأصلة، وهي نجاح للاردن وليس للشخص فقط. الم يحن الوقت للتصدي لهذه الممارسات المريبة وسؤال من يقف وراءها؟ الامير زيد وأداؤه فخر للاردن وللقضية الفلسطينية ومثال للمسؤول الاردني الذي يقف مع مبادئ الحق والعدالة وضد من يعاديها من اي جهة كانت، عربية او دولية . وسيذكر التاريخ دوره في الوقوف ضد الحائط الاسرائيلي، ولن يقف في طريقه مقال لا نعرف اسبابه. وتحية أردنية لسمو الامير، ويرحم أيامك يا ابا عزمي.
الأمير زيد مثالا للمهنية في العمل/ مروان المعشر
14
المقالة السابقة