عروبة الإخباري – كتب أحمد أبو حليوة
هن سيدات الحكاية وفاتنات الزمن الجميل، حين كنّا نحياه على شكل طفولة، كانت أكبر أحلامنا فيه أرخص ربما من ثمن علبة سجائر الآن، وأصغر من أعمارنا في ذاك العصر الذي كنّا فيه مجتمعاً هائل القرب والتقارب، حين تتكئ البيوت على بعضها، وتتبادل وجبات الطعام، خاصة في شهر رمضان، وكذلك ما ينقص لتجهيز وجبة الغداء أو العشاء من بعض الحاجيات (كسن ثومه) أو (راس بصل) أو (رشة ملح) أو (شوية بهارات) أو (قرن فلفل) أو (عرقين نعنع أو بقدونس) أو (حبة ليمون أو بندورة أو خيار) أو (كمشة رز) أو (نتفة شاي) أو (حفنة سكر) أو حتى (رغيف خبز)، حيث كان الناس يفعلون كلّ ذلك في الحارات والمخيمات كجزء من طقوس يوميات حياتهم، وطبيعة مجتمعهم الخالي من مساحق التجميل والزيف آنذاك، في تلك المرحلة التي كانت أجمل بكثير ممّا كانوا يظنون، وغدت لهم أثمن مما الآن يحلمون، وهم يتبادلون فيما بينهم الحاجات الأساسية والأواني المنزلية، وكذلك الابتسام والطيبة وأخبار بعضهم بعضاً بكلّ صدق وإحساس خالٍ من المصالح والرياء، حيث تناجي النوافذ جاراتها بتحيات الصباح، ونظرات الأمل لسكانها بنهار جديد وعمر قادم، وعند العصر يفترشن الكبيرات الكبيرات، ساحات الدور وجنبات البيوت، بتجمعاتهنّ العفوية كنبض، وثرثرتهنّ العذبة الانسياب كمياه الجداول، وهنّ الطاعنات في السنّ والإرادة والصبر، ينتشرن بيننا بما لهنّ من طهر ونقاء، حدّ أنّ كلّ جهات الأرض لهنّ قِبلة، ومنها لهنّ قُبلة، والقرآن الكريم تلخّصه فاتحة الكتاب، التي لا يحفظن غيرها، وهنّ الطاهرات اللواتي ما عرفن غير حلالهنّ، وهنّ الأميات اللاتي أحسنّ تربية وتعليم أبنائهنّ، وهنّ الراويات لحكايات لن يسمعها الجيل الجديد عن أجدادهم الأوائل وعن أيام البلاد، على قناة طيور الجنة أو space toon أو mbc3، بل ولن يتمكنوا من قراءة هذه القصص الدافئات على شكل رسالة على Whatsapp أو منشور على Facebook.