ستكون بين يديّ القارئ الأردني، والعربي عموماً، خلال الأيام القادمة، يوميات عدنان أبوعودة، الوزير والمستشار السابق في الديوان الملكي، التي تتناول الفترة ما بين 1970-1987، وسيقام حفل توقيع للكتاب في عمّان، في بداية الشهر القادم.
اليوميات ستصدر عن المركز العربي للدراسات في الدوحة، مع مقدمة طويلة، وهي حوار معمّق أجراه الزميلان معين الطاهر ومعن البياري معه، يتناول قصة حياته وتحولاتها وتطوراتها، ودوره في النظام السياسي ورؤيته السياسية.
إذا تجاوزنا المقدمة – الحوار، وهي بالمناسبة غنية بالمعلومات المهمة والتحليل التاريخي والسياسي لفترات طويلة من تاريخ الأردن (ربما نعود إلى ذلك في مقالات لاحقة)، فإنّ اليوميات بحدّ ذاتها “وثيقة تاريخية وسياسية” على درجة كبيرة من الأهمية، وإن كانت بدايتها الحقيقية عام 1972 (الإشارة إلى الـ1970، بسبب أنّها تحتوي على وثائق بخط اليد تعود لتلك الفترة، ومرتبطة برئيس الوزراء الأسبق وصفي التل، ودوره في تلك الأحداث).
اليوميات هي ما كان يخطّه عدنان أبو عودة (وشغل حينها العديد من المناصب، منها وزير إعلام) من توثيق للعديد من الأحداث والتطورات والنقاشات الداخلية في أروقة مجلس الوزراء ومؤسسات الدولة تجاه ما يجري والقرارات التي تتم، وهي المرّة الأولى في تاريخ الأردن، التي يتاح فيها لقارئ أردني وعربي، الاطلاع على ما وراء الأحداث وخلفيتها، بعيداً عن الخطاب الرسمي.
وإذا عدنا إلى تلك الفترة فإنّها تتناول تطورات مهمة مثل قمة الرباط وقرار فك الارتباط، وقبل ذلك حرب الـ73، والعديد من الأحداث المحلية الداخلية، والعلاقة الأردنية- الفلسطينية في بعدها الإقليمي، والعلاقة بين النخب السياسية الأردنية، وأسرار مرتبطة برؤساء وزراء معروفين مرّوا على تلك المرحلة، بخاصة زيد رفاعي ومضر بدران.
الأجمل في اليوميات التاريخية المهمة، أنّها لا تقف عند حدود توثيق الأحداث، أو رصدها، ووضعنا في كواليس المسرح لنفهم ما يجري في مجلس الوزراء خلال تلك الفترة، وفي مؤسسات الدولة، ونعاين كيفية صناعة السياسات في كثير من الأوقات، والصراعات غير المعلنة، إذ يتجاوز أبو عودة ذلك كله إلى إعمال التحليل السياسي، في تلك المرحلة، وتسجيل انطباعاته ورؤيته لما يحدث!
إذاً، هنالك قيم إضافية أخرى، على اليوميات، تتجاوز القيمة التوثيقية، وتتمثل في وجود مثقف سياسي، ضمن النخبة الرسمية، خلفيته تعود لحزب التحرير وللحزب الشيوعي، ويمتلك عقلية نقدية، تظهر في تعليقاته الساخرة في اليوميات على ما يجري وبعض التطورات، وتكشف الحوار الداخلي الجريء والصريح الذي كان يبديه خلال تلك المرحلة!
قد ينزعج بعض السياسيين، وربما أبناؤهم حالياً، مما ورد في اليوميات من وقائع وآراء لعدنان أبوعودة، والرجل متصالح مع نفسه، وأمين لتحليله السياسي ورؤيته، ومن الضروري هنا التفريق بين آرائه الشخصية وانطباعاته التي يقدّمها في اليوميات، كأي شخص ينقل منظوره هو لما يحدث معه، خلال تسجيله ليومياته من جهة، والوقائع والنقاشات التي توثق لصناعة السياسات في الأردن خلال حقب معينة.
اليوميات – التي ستكون بين أيديكم- قريباً، ليست هي مذكرات عدنان أبو عودة، فالمذكرات هي سردية تحليلية لحياته وتطوراته، أمّا اليوميات (المذكرات) فهي أشبه بمادة توثيقية لمراحل معينة من تاريخ الأردن، لكنّها – أي اليوميات- برأيي الشخصي تتجاوز كثيراً أهمية كتب تاريخية عديدة، لأنّها مقدمة من شاهد عيان على كواليس وتفاصيل ستكون متاحة للمرة الأولى للقارئين العربي والأردني، وتمثّل مادة مهمة للأبحاث والكتب التي من الممكن أن تستفيد كثيراً، ولأساتذة العلوم السياسية والتاريخ، الذين يدرسون السياسات الأردنية.