عروبة الإخباري- رمى رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، أمس الأحد، كرة النار رسمياً، في وجه العديد من دول الجوار، عندما أعلن إجراء الاستفتاء في عموم مناطق الإقليم، إضافة إلى محافظة كركوك، اليوم الإثنين.
من جانبه، هدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باتخاذ «خطوات لاحقة» لحفظ وحدة البلاد ومصالح مواطنيه.
وقال خلال مؤتمر صحافي في أربيل، خصصه لحسم موقفه من مسألة الاستفتاء: «لا تراجع عن إجراء الاستفتاء»، مشيراً إلى أن «الشراكة فشلت في العراق».
وأضاف: «اتخذنا قرارنا بإجراء الاستفتاء غداً ومهما كان الثمن.. فلن ننتظر مصيراً مجهولاً».
وأوضح أن «ممارسات بغداد دفعتنا للاستفتاء وفكرنا بهذا القرار جلياً قبل اتخاذه».
ودعا، الحكومة المركزية في بغداد إلى «إيجاد صيغة» للعلاقات معها كي يكون الإقليم والعراق «جيراناً».
واعتبر أن «الشراكة فشلت مع بغداد ولنناقش كيفية بناء علاقة جديدة على أساس حسن الجوار».
ووجه بارزاني رسالة إلى دول الجوار، بأن الإقليم «لا يشكل تهديداً» لهم، قائلا «أثبتنا على مدى 25 سنة أننا عامل استقرار في المنطقة».
وأضاف أن «الأكراد يرغبون في إقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار، نمد لهم يد الصداقة ونأمل أن يبادولنا بنفس التوجه».
واعتبر أن المجتمع الدولي «لم يكن رافضاً لمبدأ إجراء الاستفتاء» وإنما طلب تأجيله، مكرراً عزمه إجراء الاستفتاء في الإقليم والمناطق المتنازع عليها.
«التغيير» تحمّل بغداد مسؤولية تعنّت بارزاني
وحمّلت حركة «التغيير»، رئيس الوزراء العراقي والأحزاب السياسية في بغداد مسؤولية «تعنّت وإصرار» رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني على إجراء الاستفتاء المتعلق بانفصال إقليم كردستان أو بقائه ضمن العراق، بسبب «منحهم» إياه شرعية لا يمتلكها وتعاملهم معه على أنه رئيس للإقليم.
وقال النائب عن كتلة التغيير في البرلمان الاتحادي هوشيار عبد الله، في بيان إن «السبب في تعنت بارزاني وإصراره على إجراء الاستفتاء؛ رغم الرفض الداخلي والخارجي، هم القادة السياسيون العراقيون وعلى رأسهم العبادي والأحزاب العراقية الكبيرة المنضوية في التحالف الوطني واتحاد القوى، لأنهم تعاملوا معه وكأنه رئيس شرعي لإقليم كردستان ومنحوه شرعية لا يمتلكها».
وأضاف «نحن في حركة التغيير طالبنا العبادي والقوى السياسية مراراً وتكراراً بأن لا يشرعنوا بقاء البارزاني على كرسي الرئاسة دون أي غطاء شرعي، لكنهم وللأسف تعاملوا معه خلاف ذلك، حتى وصل به الحال إلى فرض أجنداته الشخصية والحزبية على شعب كردستان وعلى الدولة العراقية».
وطبقاً للمصدر، فإن «العبادي؛ طيلة السنوات الماضية، كان يجامل البارزاني ويتعامل معه وكأنه رئيس للإقليم، وتم استقباله في بغداد بصفته ممثلاً للإقليم، وفي النهاية وصلنا إلى هذه المشكلة العويصة التي تنطوي على مجازفة كبيرة بمصير شعب كردستان»، مشيراً إلى أن «القوى السياسية العراقية التي تجاهلت نداءات وتحذيرات حركة التغيير تحصد اليوم ما زرعت، وفي النهاية شعب كردستان هو الذي يدفع الثمن».
وتابع إن «مجموعة كبيرة من الأحزاب الكردستانية ترفض الاستفتاء ومعظم شرائح المجتمع الكردستاني ترفضه حالياً، ولكن سياسة الأمر الواقع التي تمت مباركتها من قبل الأحزاب العراقية أتاحت الفرصة للبارزاني للمضي فيه بالموعد المقرر»، مجدداً دعوته لـ»تأجيل هذا الاستفتاء والتراجع عن هذه الخطوة الخاطئة التي لا تعبر عن إرادة أغلبية الشعب الكردستاني».
في الموازاة، أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق، تعطيل الدوام الرسمي في الدوائر والمؤسسات الحكومية، اليوم الاثنين، بسبب إجراء استفتاء الاستقلال، حسب بيان صحافي. فيما أعلن المجلس الأعلى للاستفتاء، عن وثيقة سياسية ترسم صورة «دولة كردستان المستقبلية» ووضعية المكونات فيها.
وقال خليل ابراهيم عضو المجلس، في مؤتمر صحافي، عقده في أربيل برفقة أعضاء آخرين في المجلس، إن «كردستان ستكون دولة مدنية فدرالية تحفظ حقوق الكرد والعرب والتركمان والكلدان السريان والاشوريون والارمن والايزيديين والمسيحيين والمسلمين والكاكائية واليهود والزردشتيه والمندائيين»، مضيفاً إن «دولة كردستان ستعتمد اللغات الكردية والعربية والتركمانية والسريانية والأرمنية بشكل رسمي فيها».
وتابع قائلاً: «دولة كردستان ستعتمد أيضاً النظام الفديرالي»، موضّحاً إن «التركمان والعرب والايزيدية سيحكمون مناطقهم وبقية المكونات كذلك».
وفيما أشار خليل إلى إن «التمثيل المكوناتي سيكون بالكامل في المناصب الحكومية وقوات البيشمركه، وان علم كردستان سينظم بقانون ليمثل المكونات»، بين إن «هذه الوثيقة ـ المكونة من 15 فقرة، ستقدم لبرلمان إقليم كردستان للمصادقة عليها، وللمجلس الأعلى للاستفتاء».
العبادي: لن نتخلى عن مواطنينا الكرد
وقال العبادي في كلمة متلفزة وجهها إلى الشعب العراقي: «في الوقت الذي توحّدنا شعباً ومقاتلينَ لصد عصابة داعش نفاجأ بدعوات التفرقة والعودة إلى عهد الظلام والتسلط والدكتاتورية».
وأضاف: «لن نتخلى عن مواطنينا الكرد، وقد رفضنا ونرفض الدولة الطائفية والدولة العنصرية، وسيبقى العراق لكل العراقيين»، لافتاً إلى إن «واجب القادة هو رعاية شؤون المواطنين وحمايتهم من الأخطار التي تُحيط بهم، وليس تعريضَهم للخطر وإدخالهم في صراعات لا طائلَ منها»، في إشارة إلى بارزاني.
وقدم إيضاحاً للشعب الكردي، مفاده بأن «معظم مشكلات الإقليم داخلية وليست مع بغداد، (…) إنها ستتفاقم مع دعوات الانفصال»، مبيناً إن «الصعوبات الاقتصادية والمالية في الإقليم من نتاج الفساد وسوء الإدارة».
وطبقاً للعبادي، فإن المسؤولين في الإقليم «استولوا على ما يقارب 900 ألف برميل نفط يومياً، لأي ما يعادل ربع النفط المنتج في باقي العراق»، متسائلاً «لماذا لا يدفعون رواتب الموظفين في الإقليم رغم تخفيضها إلى مستويات دُنيا، مع إنهم يحصلون على كميات نفط أعلى بكثير من نسبة السكان في الإقليم مقارنة ببقية مدن العراق؟».
وتابع: «لماذا لا تدخل واردات النفط في حساب واضح ومعلن، يطلع عليه المواطنون كما نفعل نحن هنا في الحكومة المركزية؟، ولماذا لا يسمحون للرقابة المالية على الأموال العامة؟».
وأكد أن «هذه التساؤلات (…) طرحناها على مسؤولي الإقليم عدة مرات، ووجهنا أجهزة الرقابة المالية للقيام بواجبها ولكنهم، وبحجة استقلالية الإقليم، كانوا يرفضون عمل أجهزة الرقابة والنزاهة ويعتبرونه تدخلاً، بينما الهدف الحقيقي هو التغطية على الفساد وسوء الإدارة».
وقدّم العبادي دليلاً على إن «مشكلات الإقليم داخلية»، مشيراً إلى «تجميد عمل البرلمان لمدة 22 شهراً، واستمرار حكومة الإقليم من دون غطاء قانوني بسبب سياسات المسؤولين في الإقليم».
وبين أن «هذه المشكلات الداخلية ضمن الإقليم ستتفاقم أيضاً، ولن يكون هناك إسناد لا من مجتمع دولي ولا من الجيران بسبب المواقف العدائية لمسؤولي الإقليم ضد كل جيرانهم، وضد المجتمع الدولي، وهي سياسات تقف بالضد من مصالح مواطنينا في الإقليم».
وترى الحكومة الاتحادية في بغداد، إنه من غير الممكن «فرض الأمر الواقع بالقوة»، كما إن «التفرد بقرارٍ يمس وحدةَ العراق وأمنه ويؤثر على كل مواطنيه، وعلى أمن المنطقة».
وختم العبادي: «إجراء الاستفتاء على الانفصال من طرف واحد هو قرار مخالف للدستور وللتعايش السلمي بين المواطنين، ولن يتم التعامل معه ولا مع نتائجه»، متعهداً باتخاذ «خطوات لاحقة لحفظ وحدة البلاد ومصالح كل المواطنين».
«التحالف الشيعي» يرفض النقاش حول الاستفتاء
يأتي ذلك في وقت أجرى فيه الوفد الكردي زيارة إلى العاصمة بغداد استمرت يوماً واحداً، من التوصل إلى أي اتفاق بشأن الاستفتاء.
في هذا الشأن، قال المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون، النائب خالد الأسدي لـ«القدس العربي»، إن «اللقاء الذي جرى بين التحالف الوطني والوفد الكردي، جاء تتمة للقاء سابق بداية الشهر الجاري، تضمن الاتفاق على أن يجري الكرد حوارات ومناقشات مع التحالف والقوى السياسية الأخرى، تحت سقف الدستور العراقي».
وأضاف: «ما جاء به الوفد الكردي خلال زيارته الأخيرة هو الحديث عن الاستفتاء فقط»، مشيراً إلى إن «التحالف الوطني يرفض الحديث عن الاستفتاء، أو إدخاله كفقرة ضمن الحوار أو المفاوضات مع التحالف، لذلك لم يستمر اللقاء طويلاً».
وطبقاً للأسدي، فإن الاجتماع، الذي استمر نحو ساعة، «كان من المقرر له أن يتمحور حول مناقشة الفقرات التي طرحها التحالف الوطني على الوفد (في زيارته الأولى)، إضافة إلى بحث النقاط التي طرحها الكرد، لكن يبدو إن الوفد كان لديه هدف واحد هو طرح موضوع الاستفتاء، الأمر الذي رفضه التحالف بقوة».
وتابع: «لم يتم تحديد موعد لمفاوضات أو لقاءات قادمة (بين الوفد الكردي والتحالف الوطني)»، مؤكداً إن «رئيس الوزراء حيدر العبادي نفى حضوره للاجتماع».
وأشار إلى إن «الحكومة العراقية والتحالف الوطني يرفضون بشكل رسمي وقاطع لاستفتاء إقليم كردستان العراق، والنتائج المترتبة عليه»، موضّحاً إن «لا نقاش ولا حوار ولا إمكانية لطرح الاستفتاء بأي شكل من الأشكال، لا مع الحكومة العراقية ولا مع التحالف الوطني».
وعن الخطوة المقبلة للحكومة العراقية والتحالف الوطني بعد إجراء استفتاء إقليم كردستان العراق، أفاد بالقول: «لكل حادث حديث، لكن مسؤوليتنا في التحالف والحكومة، هي القيام بواجباتنا الدستورية»، من دون ذكر مزيد من التفصيلات.
وفي بغداد أيضاً، أكد مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، أمس أن الحكومة المركزية ستؤدي مسؤوليتها لحماية وحدة الأراضي العراقية، في حال إجراء استفتاء إقليم كردستان.
وقال، في بيان أن «الفياض أكد على التزام الحكومة الاتحادية بكافة مسؤولياتها التي كفلها الدستور لحماية وحدة الأراضي العراقية وعدم تقسيمها»، مشيراً إلى إن «الاستفتاء هو عمل استفزازي وكسر للأطر التاريخية بين العرب والكرد وسيكلف الجهات الراعية له ثمنا باهظاً».
وشدد الفياض، وفقاً للبيان، على أهمية «الحوار قبل الاستفتاء وليس بعد التنفيذ»، مبيناً انه «متى ما تم الاستفتاء سيتم الرد عليه باسلوب دستوري وقانوني».
في الأثناء، تعهدت حركة «بابليون» المسيحية (إحدى تشكيلات الحشد)، بـ«الرد» بجميع الوسائل على محاولات إجراء الاستفتاء في مناطق سهل نينوى.
وقال الأمين العام للحركة، ريان الكلداني لـ«القدس العربي»، إن «رغم الرفض الدولي والمحلي والإقليمي للاستفتاء اللا دستوري، إلا إن مسعود (بارزاني) مازال مصراً على إجرائه، غير مكترث بمخاطر هذه الخطوة على مستقبل العراق والإقليم على وجه التحديد».
ووجه ما سماها «نصيحة اللحظة الأخيرة» لرئيس الإقليم قائلاً: «التمادي في غلق الأسماع للأصوات الرافضة لهذا الاستفتاء سيعمق من خطورة الانزلاق في حرب داخلية لا تبقي ولا تذر وليس فيها رابح ومنتصر»، لافتاً إلى إن «حركة بابليون ستقف ضد أي محاولات لإجراء الاستفتاء في سهل نينوى (…) نحن مستعدون للرد بجميع الطرق».
ودعا المسيحيين وجمع أطياف الشعب، إلى مقاطعة هذا «استفتاء الفتنة»، محذراً من «إجبارهم على المشاركة فيه من خلال الضغط والقهر والتلويح بالطرد والقمع».
كذلك، حذر عضو مجلس المفوضية العليا لحقوق الإنسان، عامر بولص، من عواقب إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان وتأثيره على الأقليات في داخل الإقليم والمناطق المجاورة له.
وقال في بيان صحافي، إن «عملية استفتاء الشعب الكردي انطلقت بتصويت العراقيين الكرد في المهجر، بالرغم من رفضه من قبل الدول الإقليمية والمجتمع الدولي»، مبيناً أن «إصرار الإقليم على إجراء الاستفتاء من دون حوار بناء مع الحكومة المركزية ودون دعم للمجتمع الدولي سيعرض سكان الإقليم إلى المخاطر التي برزت خلال مرحلة الإعلان من قبل الدول الإقليمية، وهو تهديد مباشر للشعب الكردي وعلى أبناء المكون المسيحي من الساكنين في الإقليم».
ودعا بولص، حكومتي الإقليم والمركز، إلى ضرورة «تكثيف الحوارات وحل المشكلات بالطرق السلمية والحفاظ على السلم الأهلي لتجنيب المنطقة شر الحروب والدمار»، مطالباً بـ»إبعاد الأقليات بشكل عام وأبناء المكون المسيحي بشكل خاص من دائرة الصراع».
كما دعا أيضاً رجال الدين المسيحيين في الكنائس المشرقية باتخاذ «موقف موحد لإبعاد أبناء الطائفة المسيحية من عملية الاستفتاء تحسباً لأي خطر بعد التلويح من دول الجوار بالتدخل عسكرياً في المنطقة»، حسب البيان.(وكالات)