تشير تقارير لمنظمات دولية ووسائل إعلام إلى تسارع في وتيرة عودة الآلاف من العاملين في دول الخليج العربي لبلدانهم، وتخص بالذكر العاملين من جنسيات عربية؛ أردنية ومصرية وسودانية.
أكثر دول الخليج التي بدأت تشهد هجرة معاكسة هي السعودية بفعل عدة عوامل أبرزها فرض رسوم سنوية تصاعدية على المرافقين، وتقنين أوضاع العمالة الوافدة، ورفع الدعم الجزئي عن المشتقات النفطية، والزيادة الكبيرة على الضريبة المضافة.
ولهذه الإجراءات خلفية تتمثل بتراجع عائدات النفط بعد انخفاض الأسعار العالمية في السنوات الثلاث الأخيرة، وتبني خطط لإصلاح اقتصاديات تلك الدول والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.
لاتتوفر لوسائل الإعلام الأردنية بعد معلومات موثقة عن أعداد العاملين العائدين من السعودية او دول خليجية أخرى، لكن هناك مؤشرات قوية مسجلة لعودة ناعمة لمئات الأردنيين. وثمة شهادات شخصية نسمعها من أردنيين عادوا لقضاء إجازة الصيف في بلادهم، تبرر القلق من تنامي الظاهرة في الفترة المقبلة.
يؤكد مغتربون أن الاغتراب لم يعد مجديا في ظل الأعباء المالية الإضافية التي فرضت عليهم، خاصة الرسوم على المرافقين. فقد دفع هذا الإجراء تحديدا بأرباب أسر إلى التفكير جديا بترتيب عودة عائلاتهم إلى الأردن لتجنب دفع الرسوم. وبالرغم من صعوبة المسألة، إلا أنها تبدو الخيار الأخير الذي يجعل من الغربة أمرا مجديا.
أما بالنسبة للمهدَدين بفقدان وظائفهم جراء عمليات الهيكلة واحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، فإن الوضع أكثر صعوبة وتعقيدا، في ضوء الأوضاع الاقتصادية الحالية في الأردن وشح فرص العمل وتدني الأجور.
يقول اقتصاديون إن عودة العائلات للأردن سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد، مع الزيادة المتوقعة في تحويلات المغتربين للوفاء باحتياجات أسرهم ونفقاتها المعيشية؛ فما كانوا ينفقونه في بلاد الغربة على التعليم والطبابة وتأمين مستلزمات المعيشة سيدخل دورة الاقتصاد الوطني. وقد ينسحب الأمر على القطاع العقاري الذي يراهن على انتعاش سوق الشقق المنزلية.
ربما تصح هذه التوقعات على المدى القصير، لكن من غير المعروف ما إذا كان العاملون في الخليج الذين اعتادوا العيش مع أسرهم تحمل الحياة بعيدا عنهم، الأمر الذي يضطرهم للعودة مكرهين.
الأخطر من ذلك اتساع ظاهرة “تفنيش” الأردنيين وإرغام الآلاف على العودة لبلادهم في السنوات القليلة المقبلة. سيكون لهذا الأمر انعكاسات سلبية على حياة فئات اجتماعية واسعة، وزيادة في معدلات البطالة المرتفعة أصلا، بالإضافة للتراجع في بند تحويلات المغتربين.
من الصعب على الحكومة الأردنية أن تطلب من نظيراتها الخليجية استثناء الأردنيين من قراراتها وإجراءاتها الاقتصادية. لكن قبل ذلك ينبغي العمل سريعا على إنشاء مرصد حكومي لمتابعة القضية والتوقعات بشأنها خلال المرحلة المقبلة، والبحث في الخيارات الممكنة لمساعدة المغتربين على التكيف في بلدان الاغتراب، وتحسين موقعهم للمنافسة والصمود في أسواق العمل، خاصة أن الأردنيين يحوزون على سمعة طيبة هناك لتفانيهم وجديتهم في العمل والتزامهم المهني والأخلاقي بشهادة الجميع.