عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – دون سابق معرفة أدركت أن لهذا الرجل جذور عميقة في السلط المدينة وحتى في بلديتها وحين كنت اعود الى الكتب وجدت أن أول رئيس بلدية في السلط من الفواعير وهو فياض الصبح الفاعوري ، الذي تسلم البلدية عام 1887 بعد نشؤها عام 1881 و أن برنامجه في البلدية كان مليئاَ بالانجازات و الخطوات وحتى الصلاحيات الواسعة التي شملت معالجة الفقراء و هي اوسع من صلاحية اي بلدية معاصرة .
ووجدت الآن أن رئيس االبلدية الذي يخوض الإنتخابات الآن مقدماَ أوراق انجازه لناخبيه هو المهندس خالد حسين الخشماني الفاعوري .
بين الفاعوري الاول و الفاعوري السادس والعشرين من رؤساء البلديات أكثر من قرن و ربع القرن .. إذ ما زال الحبل موصولا .. زرت البلدية لأبارك تحركها النشط الذي أدى الي وصلها في قائمة التراث العالمي ( اليونسكو ) و كنت اتابع ذلك حتى إذا تحقق وجدت من المناسب أن اتعرف على الجهود الكبيرة لهذه البلدية التي تفانى رئيسها و اعضاء مجلسها و موظفيها ليصلوا بها الى هذا الموقع .
تعرفت على رئيس البلدية الذي كنت اعرف عنه الكثير وكانت اللقاءات معه عابرة او في مناسبات حتى إذا ما زرته وجدت نفسي أجلس مع مهندس خبير و مع مثقف واعٍ و عن شخص عملي و صاحب موقف وطني و رؤيته تحليلية و استشرافية عميقة .
كنت ادرك حجم عمله من حجم المراجعين و من تنقله بين المكتب و الميدان و من سياسة الباب المفتوح و قدرته على التعامل مع مواطنيه في محبة و أريحية و تضحية .. اشفقت عليه من ثقل العمل و هممت بالانصراف ولكنه أصر على مشاركتي غداء العمل الذي يقيمه في البلدية ليواصل عمله طوال اليوم و أطراف الليل و لما بدأ “الحلف”على عادة أهل السلط مع ضيوفهم و تعبيرهم عن كرمهم اذعنت لذلك وانتظرت , وجلست أتابع نشاطات البلدية و كان قد اعتذر بأن ضيوفه قد تأخروا قليلاَ, و لما سألته من هم ضيوفك الذين ننتظرهم قال حتى ينتهوا من عملهم المقرر , فانتظرنا نصف ساعة أخرى و اذا بالمدعويين هم موظفين من البلدية وعمال و سائقين وشابات يواصلن العمل معه في مشروع ادراج السلط في قائمة التراث .
كانت المجموعة من الموظفين الذين حرص على اعتبارهم ضيوفه .. فأعجبت به كيف يتعامل مع فريقه وطاقمه حتى مع صغار الموظفين و كيف يبادلونه التحية و المودة وقلت لنفسي هذا الرجل ناجح بكل المعايير ..اصطحبني معه الى منزل قديم مرمم في عمق مدينة السلط الساحرة وهو بيت شهير لآل قاقيش وضعت البلدية يدهها عليه ليكون مركز هندسة و خرائط تعمل فيه مهندسة نشطة تتقن عملها و تحفظ التفاصيل .
كان حديثنا حول البلدية و عنها .. كان يذهب فيه الى التاريخ ويعود للحظة القائمة و يربط ذلك بالتطلع نحو مستقبل واعد لهذه المدينة التي فرشت اجنحتها للشراكة مع مدن وبلديات أخرى في العالم
عدت الى الموضوع الذي جئت من أجله .. و تحدث الخشمان عن الدور الكبير الذي تلعبه الهيئة الملكية لإعمار السلط و التي يقودها أحد ابرز زعماء السلط العين مروان الحمود و دور هذه الهيئة ومتابعاتها و اعتبارها المرجعية في تاريخ السلط و مواقعها و قد تقدمت هذه الهيئة بسواعد وعقول ابناء السلط في الداخل و الخارج و الذين أرادوها ذراعا رافعة لمدينتهم ..
سألت كيف استطعتم أن تدرجوا السلط في قائمة التراث العالمي في اليونسكو فقال هذه قصة طويلة و بدأ يسرد الخطوات وكيفية العمل بنهج علمي يجيب على كل الاسئلة التي طرحت لتلبي اشتراطات اليونسكو وتدخل المدينة النادرة ذات اللون الاصفر الى القائمة وتتربع بين مدن ومواقع عالمية شهيرة..
تحدث طويلا وبالتفاصيل عمن راسلهم او التقاهم او سافر للقائهم او حضروا الى السلط ليعاينوا ويسألوا ويحصدوا اجابات … لم يكن التأهيل سهلا ولكن المدينة كانت تستحق ان تدخل الى القائمة حين اخلص رئيس البلدية العمل وجعل من هذه الاولوية جدول عمل من اعماله وقد كانت التجربة في هذا المجال لافتة ومؤثرة جعلت وفدا فلسطينيا بمساعدة من وكالة التنمية البلجيكية يزور السلط ويطلع على خبرة البلدية والهيئات فيها على حفظ التراث وحمايته ووضع التشريعات التي تتعلق بالحفاظ على الابنية التراثية وترميمها ليستفاد من ذلك لاحقا في مدينة الخليل المحتلة.
لم يكن هذا فقط من الانجازات الهامة والكبيرة والتي لم يسبق لها رئيس بلدية اخر بل كان هناك انجاز اخر ولو لم يكن لرئيس البلدية الخشمان سوى هذين الانجازين لكفاه ذلك.. أما الانجاز الثاني فهو تسجيل وشراكة السلط في عضوية الشبكة العالمية للمدن التعليمية … حيث قدم الرئيس الخشمان اوراق اعتماد السلط في الشبكة كأم للتعليم في الاردن حيث مدرسة السلط الثانوية التي كان يأتيها الطلاب الاردنيون من كل فج عميق اردني وعلى كل ضامر ليشهدوا منافع التعليم في المدينة التي خرجت معظم القيادات الاردنية على المستويات كافة فالسلط
في عهد هذه البلدية كانت المدينة الاولى على مستوى الاقليم كله كمدينة مأهولة بالسكان تدرج في قائمة التراث العالمي بعد ان قدمت ملفا استحق القبول والترحيب والثناء من مكوناته ادارة ملف التراث وادارة الابنية التراثية والتاريخية والمشاريع العديدة المتعلقة بالتراث وهو ما حاولت مدن عربية عريقة عربية الاطلاع عليه بما فيها مدينة القدس وبيت لحم والخليل ومدن اخرى وصل اهلها الى السلط ليطلعوا على تجربة البلدية في هذا المجال وعلى نجاحها و العبور الى اليونسكو.
كانت البلدية في هذه المرحلة ومنذ تولي المهندس خالد الخشمان قبل حوالي اربع سنوات مسؤولياته كرئيس للبلدية قد عمل بشكل جاد على انفاذ مشروع هام وضخم يتعلق بتطوير وسط مدينة السلط السياحي في مرحلته الثانية
وقد جاء متحمسا يقبل التحديات ويوفر الامكانيات ويذلل الصعوبات وسجل انجازات كبيرة في هذا المجال حيث وصلت كلفة المشروع في مرحلته الثانية الى (8) مليون دينار ينتهي الى شارع الحمام السياحي ورغم الفترات والمشاكل الطبوغرافية والمكونات القائمة المتهاوية من شبكة مياه وعبارات إلا ان ادارة البلدية تصدت لكل ذلك ولم تهرب او تؤجل او تبرر ولذا استمر العمل في المساحة المقدرة بـ (15) دونم وسط المدينة لانجاز المرحلة الثانية التي استفادت من هدم المباني واستملاكها من قبل ووجدت المدينة من ينصفها لتكون في المكانة التي يجب ان تكون فيها وقد جرى استعادة الوسط التاريخي ليبعث في حياة جديدة حديثة ومتآلفة تحفظ المزاوجة بين التراث والمعاصرة.
كان رئيس البلدية الذي وجدت اليوم ترحيبا كبيرا لعودته مرشحا لنفسه ليواصل قيادة البلدية مرة اخرى و بطريقة منتخبة حيث يضع السلطيون في صناديقها خيارهم وهم مطمئنون ليحملوا رئيسا مميزا لبلديتهم . فالرجل المثقف الذي يدرك اهمية خدمة بلده ومواطنيه واهمية ان يحمل المثقف قلق المجتمع واسئلته .
هذا الرجل الوطني رآه الاردنيون جميعا يسحب وفده من مؤتمر دولي للمياه في بولندا شاركت فيه اسرائيل بدعاواها الاحتلالية الزائفة فكان ان خرج وقد سجل موقفا مشرفا لن ينساه له ابناء بلده ووطنه الذين كرموه بعد عودته واحتفلوا بموقفه يومها .
احس المهندس بالانفعال الجميل مذكرا الحضور وقائلا:” نعم هذه السلط.. وموقفنا من رفض الاحتلال هو الوضع الطبيعي وواجب لا نحتاج عليه شكرا، إننا نعبر عن موقفنا وعن موقف السلط التاريخي الممتد والذي في محطاته وقوف السلط الى جانب ثوار فلسطين عام 1936 وامدادهم بالسلاح ضد الحركة الصهيونية والانجليز. فما زالت هذه الذكريات في نفوس ابائنا واجدادنا وما زلنا نتداولها.
الرجل كان صاحب موقف . وهو ممن دعوا ان تستعيد البلديات دورها في الولاية العامة وان تتمتع بصلاحيات مناسبة مذكرا بدور بلدية السلط الاولى وتنوعه واتساع صلاحيته وحجم الولاية التي كانت البلدية تنهض بها. لافتا اليوم انه يجب وضع حد للفوضى وتداخل الصلاحيات ولا بد من ان تكون الشوارع منسقة ومصانة والبيوت المهجورة محصورة ومرممة ومحافظ عليها وان تكون جزءا من المكونات السياحية.. وان تكون المحافظة على البيئة وحرمة المقابر اولوية وان يتمتع مواطنو بلديته بكل اشكال الخدمة والترفيه.
تذكرت امس قبل ان اكتب هذه السطور عن بلدية السلط وقد كنت امر على دواوير عمان لاشاهد صور اسماء المرشحين ضرورة ان اقول هذه الكلمة في بلدية السلط ومرشحيها وموقع الخشمان منهم لتكون هذه السطور كلمة حق في رجل عمل وما زال لديه طاقة كبيرة للعمل حبا لبلدته وخدمة لمواطنيها.
كنت امس الاول اسأل اكثر من شخصية سلطية مَن تنتخب ؟ كانت الاجابة واحدة وفيها اجماع عليه فقد ذكرني العين مروان الحمود بالكثير من الذي تم انجازه ولم اتمكن من ذكره وقال لي ابو انور هاشم الدباس معلقا على سؤالي .. “هو في غيره”!!