مواطن أردني، مقيم في السعودية، يغرّد على التويتر بأنّ هناك رقماً مخصصاً للطوارئ من قبل السفارة الأردنية في السعودية، لكنّه عندما احتاج فعلاً إليه، واتصل بالرقم المكتوب، تفاجأ بأنّه معطّل. لو كان وزير آخر لقال في نفسه “عادي! أغلب أرقام الوزارات لا تعمل، وفي النهاية أنا لا أملك إصلاح الكون، ولا مراقبة كل الأمور”!
لكن وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي عرف بهذه الملاحظة، لم يرَ الأمر عادياً، تابع الموضوع بنفسه، واكتشف أنّ الرقم فعلاً معطّل، وطلب تقريراً مستعجلاً، ليكتشف أموراً أخرى واختلالات عديدة تساهم في تعطيل معاملات المغتربين وتؤخّرها.
غرّد الوزير لاحقاً ليقول ” ثمة أخطاء وتأخير غير مبرر بتقديم الخدمات القنصلية في بعض البعثات، أعتذر عنها وستعالج”، وعلى الفور قام بتشكيل فريق عمل برئاسة أمين عام الوزارة، وأعطاهم مهلة أسبوع واحد فقط ليقدموا له تقريراً فيه مراجعة للإجراءات القنصلية لخدمة المواطنين في الخارج، وتقييم للإجراءات الحالية والثغرات ونقاط الخلل، ثم تقديم توصيات، والالتزام بمدة زمنية محددة من قبل البعثات الديبلوماسية لتقديم الخدمات القنصلية.
كانت ردود فعل السفارات سابقاً، والمسؤولين عموماً، عندما يواجهون أي ملاحظات حول التقصير أو اختلالات في إجراء معاملات المواطنين هو الإنكار فوراً، والمرافعة الدفاعية، لكن الوزير قدّم درساً مهماً في التجاوب أولاً بعدم إنكار الملاحظة والتحقق منها، وثانياً بالاعتراف بالخلل، وثالثاً بالاعتذار، ورابعاً بتقديم وعد بإصلاح ذلك عبر تشكيل فرق عمل وتحديد مهمته في المرحلة القادمة.
مثل هذا التفاعل من قبل الصفدي من المفترض أن يتم دراسته من قبل الوزراء والمسؤولين الآخرين، وتدريسه للموظفين، لأنّ هنالك عقلية “بيروقراطية معشعشة”، ما تزال تنظر إلى الوظيفة والموقع من جهة والعلاقة مع المواطنين من جهةٍ أخرى بمفاهيم خاطئة وبصورة معكوسة تماماً.
الصفدي ليس أول وزير أو مسؤول يقرّ بالاختلالات، أو يعتذر، فهنالك حالات سابقة، ومنها وزير التربية والتعليم السابق، د.محمد الذنيبات، الذي لم يصمت على ما حدث من تجاوزات في امتحان الثانوية العامة، فقام بإعادة الأمور إلى نصابها، وكشف حجم الاختلال الذي أصاب العملية التعليمية والتربوية، ونذكر جيداً عندما تحدث عن حجم الأمية المرعب في الصفوف الثلاثة الأولى، فامتلك الجرأة والشجاعة على المكاشفة والمصارحة وبدء العلاج، لذلك حظي باحترام وتقدير كبير.
لكن المطلوب اليوم، أن نقلب الطاولة تماماً، وأن يصبح نهج الاعتراف بالخطأ والاعتذار والتصحيح، وفي حال الفشل الاستقالة هو النهج البيروقراطي الجديد، وليس نهج التغطية على الأخطاء، ومراكمة الأوساخ تحت السجادة، كما كان سائداً خلال الفترة الماضية.
الإصلاح الإداري ومواجهة الجمود في الماكينة البيروقراطية، والحرب على الفساد الإداري، بمثابة “الثورة البيضاء” المطلوبة في الأردن، والمهمة “رقم 1” أمام الحكومة الحالية، وذلك يحتاج إلى عملية تصحيح في مفاهيم الإدارة العامة لدى الموظفين بداية، وإلى حفريات جوهرية في العقلية البيروقراطية لاستدخال مفهوم احترام المواطنين والخدمة العامة والإخلاص في العمل كقيم حاكمة رصينة ومسطرة للتقييم والمساءلة!
أصبح حجم المغتربين الأردنيين اليوم في الخارج كبيراً جداً، هنالك قرابة مليون من العاملين، وأعداد كبيرة من الطلاب، بينما بقيت الخدمات القنصلية ضعيفة، وكان العديد من الشكاوى التي نسمعها من سفارات في الخارج تقابل بالإهمال واللامبالاة، فهل نحن أمام نقطة تحول حقيقية في التعامل مع هذا الملف؟!