لا أحد كان يتمنى أن ينتهي اعتصام رابعة العدوية تلك النهاية المأساوية والدموية التي راح ضحيتها ما يقرب من 300 قتيل حسب تقديرات وزارة الصحة المصرية بعد مرور 24 ساعة فقط على بدء فض الاعتصام .. ولا تزال دماء المصريين تسيل بينما كل طرف يحمل الطرف الآخر المسؤولية لتشهد مصر يوم الأربعاء الماضي أكثر الأيام دموية منذ أحداث الـ25 من يناير العام 2011، فيما تبقى تبعات تلك الأحداث الدامية مستمرة في ظل فرض قانون الطوارئ على مستوى محافظات مصر وحظر التجوال في 14 محافظة أبرزها القاهرة والجيزة والإسكندرية.. من المسؤول عن سقوط مئات المصريين قتلى خلال يوم واحد فقط؟! .. وهل كل ذلك من أجل الصراع على السلطة وتشبث كل طرف بموقفه دون تقديم أية تنازلات؟!
مشهد الأربعاء الماضي مخيف يوحي بأن مصر قد باتت على أبواب حرب أهلية، حيث ظهرت علامات الفرحة والتشفي عند قطاع عريض من المصريين لفض اعتصامي “رابعة العدوية” و”النهضة” رغم سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى محملين جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عن تلك النهاية الدامية، بينما أطلت برأسها من جديد اللجان الشعبية التي انتشرت في الشوارع لتأمينها، فيما تولت بعض اللجان ملاحقة الفارين من اعتصامي “رابعة” و”النهضة” للقبض عليهم وتسليمهم للشرطة، بينما قام أنصار التيار الإسلامي باقتحام العديد من أقسام ومراكز الشرطة والمحاكم وحرق 7 كنائس في عدة محافظات!!
إن فض اعتصامات جماعة الإخوان وأنصارها لم يكن مفاجئا، بل البعض يراه متأخرا كثيرا حيث مضى 19 يوما على خروج ملايين المصريين يوم الـ26 من يوليو الماضي إلى الشوارع والميادين لتفويض الجيش والشرطة للقضاء على العنف والإرهاب، إلا أن القائمين على الحكم في مصر حاليا ارتأوا إفساح المجال لجهود الوساطة الدولية والمحلية لفض تلك الاعتصامات بشكل سلمي ودون إراقة نقطة دم واحدة، وحين باءت كل تلك الجهود بالفشل لم يكن أمام الحكومة مفرا سوى فض تلك الاعتصامات حفاظا على هيبة وكرامة الدولة خاصة بعد ورود تقارير تؤكد وجود أسلحة في أماكن الاعتصام، فضلا عن قيام المعتصمين بقطع الطرق والعثور على جثث مواطنين بمحيط “رابعة” والنهضة” جرى تعذيبهم!!
إن ثمة أصابع الاتهام توجه إلى جماعة الإخوان بأنها المسؤول الأول عن حرق مصر وإدخالها في دوامة من العنف لا طائل من ورائها سوى تدمير الوطن بإصرارها على عودة الرئيس المعزول محمد مرسي، وهو أمر شبه مستحيل بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام حكمه هو وجماعته .. وفي الوقت ذاته لم تفكر الجماعة ولو للحظة واحدة في الأسباب التي آلت إلى فشلها في الحكم لتعيد النظر في سياساتها وتشارك مرة أخرى في الحياة السياسية، إلا أنها اختارت طريق الصدام مع الدولة ما أفقدها المزيد من رصيدها في الشارع المصري، كما أنها أسهمت في خلق حالة من الانقسام داخل المجتمع أصبح من الصعب علاجها!!
بعد ثورة الـ30 من يونيو بدأ يخرج إلى العلن استهداف مصر وإسقاطها عن طريق تفتيت الجيش المصري واستيراد السيناريو السوري بتوريط الجيش بالصدام مع المدنيين وتوريطه في مواجهات مع الجماعات المتطرفة لإجهاده، مثلما يحدث في شمال سيناء من استهداف يومي لرجال الجيش والشرطة هناك.. فضلا عن ترديد الشائعات بين الحين والآخر عن وجود انشقاقات داخل الجيش المصري، ما يعني أن الهدف في النهاية هو إسقاط المؤسسة العسكرية .. تلك المؤسسة التي حافظت على بقاء مصر وصمودها وعدم سقوطها رغم كل ما شهدته من أحداث مأساوية منذ الـ25 من يناير العام 2011!!
إن إسقاط الجيش المصري هو رهان تنفيذا للمخطط الغربي الذي يعمل على رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط لا يكون فيها جيش قوي سوى جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد بدأ تنفيذ هذا المخطط منذ الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 وما تبعه من انهيار للجيش العراقي .. وها هو الجيش السوري يواجه حروبا داخلية لإضعافه وإسقاطه هو الآخر، ولم يتبق سوى سقوط الجيش المصري لكي يتم تنفيذ المخطط الغربي بالكامل بعد التخلص من أقوى 3 جيوش عربية في المنطقة وذلك لإقامة الشرق الأوسط الجديد الذي تحلم به أميركا وإسرائيل، ويحظى بالدعم الأوروبي والذي تصبح إسرائيل من خلاله الدولة القوية الوحيدة في المنطقة!!
تشويه صورة الجيش المصري والإساءة له هدف سعى إليه طرف معروف في مصر .. الذي حول المشهد بعد نجاح ثورة الـ30 من يونيو إلى هجوم ضارٍ على الجيش المصري متهما قياداته بالخيانة والانقلاب، في حين ما قام به الجيش في أعقاب ثورة الـ30 من يونيو هو نفس ما قام به عقب أحداث الـ25 من يناير وهو الانحياز لإرادة الشعب والاستجابة لمطالبه، فكيف يطلق على إسقاط نظام مبارك “ثورة”، بينما يطلق على إسقاط “مرسي” انقلابا؟!!