لا يزال الموقف الأميركي ــ الأوروبي الداعم لجماعة الإخوان المسلمين يسيطر على المشهد السياسي في مصر .. ورغم استحالة عودة الرئيس المعزول والمحبوس محمد مرسي إلا أن واشنطن “وتابعها” الاتحاد الأوروبي لا يزالان يصران على عدم إبعاد أو إقصاء التيار الديني من هذا المشهد .. وضرورة اندماجه في الحياة السياسية .. ويطالبان أيضا بإلافراج عن كافة المعتقلين من قيادات الإخوان بمن فيهم “مرسي” .. وهذا الموقف الغربي ليس دفاعا عن الإسلام .. فالغرب بكل تأكيد ليس أحن على الإسلام من المسلمين .. بل دفاعا عن مخطط يستهدف دول المنطقة العربية والشرق أوسطية ينفذه الغرب منذ اندلاع ما يسمى بثورات “الربيع العربي” التي انطلقت شرارتها الأولى من تونس نهاية العام 2010 ولا تزال حتى وقتنا هذا تعبث بمصير وتاريخ دول المنطقة!!
إن زيارات كبار المسؤولين في أميركا وأوروبا المتكررة لمصر في الآونة الأخيرة تكشف عن وجود ضغوط شديدة على السلطة الانتقالية الحاكمة تعيقها من أداء مهامها، وتشجع الطرف الآخر المعارض على العصيان والتشبث بموقفه، ما يعني أن أميركا وحلفاءها يسعيان بكل جهد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكاسب تحققت من مخطط “ثورات الربيع العربي” .. لأنهما يدركان جيدا أن سقوط حكم الإخوان في مصر يعني إفشال هذا المخطط الذي يستهدف دول الشرق الأوسط والذي يعتمد على “توليفة” تخلط الدين بالسياسة، وهي توليفة مستوحاة من التاريخ .. سواء من تاريخ المسلمين عند اندلاع الفتنة عقب اغتيال الخليفة عثمان بن عفان أو تاريخ الأوروبيين أنفسهم حينما كانت الكنائس لها الكلمة العليا في الشأن السياسي .. حيث شهد الاثنان خلال تلك الفترة حالة من الضعف والهوان والانكسار!!
واشنطن نجحت في زرع الفتنة في المنطقة العربية، وما يجري في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا خير شاهد على ذلك .. لتنتقل تلك الفتنة في مرحلة لاحقة إلى دول أخرى وهكذا حتى تتحول دول المنطقة باستثناء إسرائيل طبعا إلى دول وأنظمة هشة تعاني من الانقسامات والفوضى والصراعات، وربما تفتيتها حتى يصبح من السهل السيطرة عليها والتحكم فيها لتنعم إسرائيل في النهاية بالأمن والهدوء .. وهذا هو سر إصرار الغرب على عدم إقصاء جماعة الإخوان من الحياة السياسية في مصر .. ومن أجل هذا الغرض زار 3 مسؤولين أميركيين القاهرة مؤخرا والتقوا بمسؤولين مدنيين وعسكريين وقيادات إخوانية وهم وليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأميركي وجون ماكين وليندسي جراهام العضوين الجمهوريين بالكونجرس وسبقتهم المبعوثة الأوروبية كاترين أشتون التي اشترطت زيارة الرئيس المعزول محمد مرسي قبل وصولها إلى القاهرة وحدث لها ما أرادت!!
إن التدخل الأميركي في الشأن المصري لا يهدف لبناء نظام ديمقراطي ـ كما تزعم واشنطن ـ وإنما الهدف منه إنقاذ جماعة الإخوان لاقتناع الإدارة الأميركية بأن دور الإخوان هو تدمير الدولة المصرية وتقويض الجيش المصري، وهو نفس الدور الذي يمارسه الإخوان في سوريا وليبيا وتونس .. فواشنطن تدرك جيدا أن انزلاق مصر إلى دوامة الفوضى والصراع الداخلي سيحول دون ظهور قيادة عسكرية طموحة تتولى الحكم على غرار ما حدث في ثورة 23 يوليو العام 1952 خاصة وأن أسهم الفريق أول عبدالفتاح السيسي مرتفعة للغاية، وهو ما ظهر بوضوح يوم 26 يوليو الماضي حين نزل ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين يرفعون صور السيسي ويفوضونه للقضاء على العنف والإرهاب، وهو مشهد يبدو أنه أزعج واشنطن كثيرا لأنها تدرك تماما أن إسقاط الدولة المصرية مرهون بإضعاف المؤسسة العسكرية!!
من المعروف سلفا أن أقوى ثلاثة جيوش عربية هي الجيش المصري والجيش العراقي والجيش السوري، فتلك هي الجيوش التي تمثل تهديدا للمصالح الأميركية في المنطقة .. وقد نجحت واشنطن في تفكيك وإضعاف الجيش العراقي عقب الغزو الأميركي للعراق العام 2003، وها هو الجيش السوري يستنزف قوته في صراع داخلي على السلطة، ولم يتبق أمام نجاح المخطط الأميركي سوى إسقاط الجيش المصري الذي بدأت مرحلة إنهاكه داخليا بالدخول في مواجهات وصراعات مثلما يجري في شمال سيناء من عمليات إرهابية مدعومة من الخارج تنتمي إلى تيارات إسلامية متشددة، حيث يشن مسلحون هجمات متكررة بشكل يومي على رجال الجيش والشرطة في حرب أشبه بحرب الاستنزاف، وهي مرحلة أولية في سبيل إضعافه ثم إسقاطه، ويبدو أن القيادة العسكرية في مصر ودول عربية أخرى أدركت هذا المخطط الأميركي الصهيوني وتسعى بما تملك من إمكانات لإحباطه!!
لقد شن الفريق أول عبدالفتاح السيسي هجوما حادا على الإدارة الأميركية حين اتهم إدارة الرئيس باراك أوباما بعدم احترام الإرادة الشعبية، وقال في حواره مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إن إدارة أوباما أعطت ظهرها للمصريين، وإن الشعب المصري لن ينسى ذلك أبدا، وهو ما يعني أن السيسي محبط وغاضب من عدم تأييد الولايات المتحدة بشكل كامل للتحولات التي جرت في مصر بعد ثورة 30 يونيو .. وأوضح السيسي بأن ما جرى هو شعب حر ثار ضد حكم سياسي غير عادل، طالبا من الإدارة الأميركية ممارسة نفوذها على جماعة الإخوان لحل النزاع، لافتا إلى أنه لولا تدخل الجيش لكانت قد وقعت حرب أهلية في مصر .. وانتقد السيسي في حواره مع الصحيفة الأميركية جماعة الإخوان المسلمين واعتبرها جماعة غير وطنية وغير قومية بحسب الفكرة التي تجمعهم .. وأكد أنه فعل كل شيء خلال العام الذي قضاه مرسي في الحكم لمساعدته على النجاح، إلا أن الأخير لم يبال بشكل متكرر بالنصيحة!!
يبقى السؤال في النهاية: إلى أي مدى ستستطيع مصر تحمل الضغوط الأميركية أو مواجهتها في بعض الأحيان .. خاصة وأن المؤسسة العسكرية باتت تدرك جيدا أبعاد المخطط الأميركي الذي لا يستهدف مصر وحدها، بل منطقة الشرق الأوسط ككل؟!
سامي حامد صحفي وكاتب مصري
Samyhamed65@yahoo.com