لو عرّفنا الإعلام في شكل عام تعريفاً بسيطاً متواضعاً يستطيع مصافحة أبسط مستويات الإدراك والفهم، لقلنا إنه حلقة الوصل التي تصل بين المواطن والمسؤول في مجتمع واحد، وبين أفكار وآراء وتوجهات وعقليات وتفكير أفراده من جانب، ومن جانب آخر يعتبر الإعلام حلقة وصل عالمية تربط المجتمعات بالعالم الأكبر، لتحدد له هوية وبصمة يعرف بها بين دول العالم ومجتمعاته المختلفة. ولو عرّفنا الإعلاميين لقلنا إنهم الأشخاص الذين أكسبتهم الموهبة صفة الجرأة في الربط بين الناس بعضهم ببعض وبين مجتمعاتهم وبين العالم الخارجي، إذ يعلو صوتهم في تعريف المجتمعات الأخرى على أوطانهم. وإذا تكلمنا في شكل أدق عن الإعلامي، الذي يتعامل مع المواطن والمسؤول والمحيط الخارجي الأكبر، لتحدثنا عن الكتّاب والمفكرين، وبخاصة أولئك الذين خصصت لهم أعمدة يومية أو أسبوعية في الصحف يتناولون فيها الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية في مجتمعهم. وبذلك يمكن أن نعرّفهم بأنهم الفئة الإعلامية الأكثر حساسية، إذ تقع على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على صدقية الصحف ونقل الصورة الواقعية للمجتمع بسلبياته وإيجابياته بحيادية تامة بعيدة عن وردية الزيف أو سوداوية اليأس من بعض السلبيات التي يجب أن نسلط ضوء القلم عليها من غير أن نطمس بحبره الأسود بياض الأمل في إصلاحها.
ومن هنا فليتنا نركز على الكتاب، أسلحة المجتمعات الأدبية التي توازي قوة حرفها قوة الأسلحة الفتاكة في الدفاع عن أوطانها في الحروب الإعلامية السائدة في هذا العصر، أو محاربة الفساد في مجتمعاتها المحلية وتسليط مشرط الكلمة على الفساد، الذي لا يخلو منه مجتمع، فتبتر أورام الاعوجاج من دون أن تقتل روح السلام في أوطانها.
بتركيزنا على هذا الجانب، في ظل الزيادة الهائلة بعدد الأعمدة، سنجد أن بعض الكتاب يستعملون الحيل لجذب اهتمام القارئ، من خلال وضع عناوين مثيرة لا تمت إلى المحتوى بصلة، ما يجعل القارئ يكتفي بقراءة أول المقالة وآخر سطر فيها، متجاوزاً بقية محتواها، بعدها يعتقد أنه ألمّ إلماماً كاملاً بتفاصيل الفكرة المطروحة، فيكتب تعليقاً ذا قذائف صاروخية، مؤيداً أو معارضاً للكاتب، قد تندلع بعدها معارك بين فئات المؤيدين والمعارضين، تجعل بعض الصحف تضطر إلى حذف التعليقات على المقالة، التي لو كتبت بحيادية لخدمت القضية الرئيسة، ولوصل الصوت المؤيد والمعارض باحترام لا يمكن إلا أن نقف له تقديراً.
الكاتب هو جندي الوطن، الذي يحمل بندقية من حرف، ليس منزهاً عن الخطأ، ولكن نقده يجب أن يكون بإيجابية، تبري قلمه لا تكسره، وممحاة النقد التي تستخدم في محو زلة كاتب يجب أن تكون نظيفة، بحيث تمسح ما شذ منه، سهواً أو عمداً، عن جمال الفكرة من دون أن تطمسها، فتتيح للكاتب إعادة صياغتها من جديد من دون أخطاء.
أيضاً، من الأخطاء التي يقع بها القارئ الناقد غير المتخصص، سوء النية في قراءة القصد، فالكاتب عندما ينتقد أوضاعاً اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، فهذا لا يعني أنه معادٍ للمجتمع أو للدولة، أو أنه ناقم على أوضاع المجتمع أو الأعراف السائدة فيه! النقد لمن يدرك أنه سلاح ذو حدين، قد يستخدم للبناء أو الهدم، النقد لا يعني الرفض ولا يعني الاستسلام، ولكنه يفتح قراءة من الداخل للفكرة والأسلوب. اليوم، عرس الكتاب والكاتب والقارئ، كلهم يجتمعون في صعيد واحد، وهو معرض الرياض الدولي للكتاب، إذ يتجاوز القلم زاوية العمود الصحافي ليسكن دفتي كتاب يصنع من خلاله محتوى لا ينتهي القارئ منه في ساعة، بل يمتد ليحتفظ به بمثابة مرجع ومبحث ومنهج له في قضايا عدة، تصنع ثقافة مجتمع وتفتح الباب لحراك ثقافي مستنير.
معرض الكتاب عرس للمؤلفين والناشرين، ولكنه للأسف عرس بارد لا تتم فيه البهجة كما يجب، لا في برامجه ولا فعالياته ولا للحراك الداخلي فيه، فلا نقرأ عن مبادرات، ولا نصافح مشاريع ثقافية تروي عطش شبابنا وتسعد عقول كبارنا الذين يمر المعرض ولا يلتفت إليهم ولو بمجرد سلام.
لا بد لمعرض الكتاب أن يعيد للنشر هيبته، ويمنح الوسط الثقافي حضوره، ويقول لكل الأطياف: تعالوا بنا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، نريد بها الإصلاح وننشد بها رفعة ورقي الوطن في كل اتجاه.