عروبة الإخباري- “السعي إلى إجراء انتخابات أوّليّة محليّة” بند من بين 29 بنداً، مثّلت مبادرة زعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر التي قدّمها في 20 شباط/فبراير الجاري بعنوان مسوّدة مشروع ما بعد تحرير الموصل. عين الصدر الموجّهة إلى الانتخابات، تعزّز من الصراع الشيعيّ-الشيعيّ، وهو صراع حول زعامة الأكثريّة بين ثلاثة قادة هم، إضافة إلى الصدر، رئيس المجلس الأعلى الإسلاميّ العراقيّ عمّار الحكيم وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
رفع التيّار الصدري منذ حوالى الشهر، لافتة إصلاح الانتخابات. ومتوقّع أن يكون أحد أهداف هذا الحراك تقليص حظوظ المالكي الكبيرة في حال لم يحصل تغيير جذريّ في قانون الانتخابات ومفوّضيّتها على الشكل الراهن. لهذا، دفع في اتّجاه تظاهرات حاشدة أدّت إلى مقتل وإصابة العشرات من المتظاهرين. وكان أوّل المطالب، بحسب ما أعلنه القياديّ في التيّار المدنيّ والناشط في الاحتجاجات جاسم الحلفي، دعوة الأمم المتّحدة إلى الإشراف على تشكيل مفوّضيّة جديدة وسنّ قانون عبر استقطاب خبراء عراقيّين لهذا الغرض. لكنّ ردّ الأمم المتّحدة في 13 شباط/فبراير عبر ممثّلها في العراق، الداعم لاستمرار عمل المفوّضيّة الحاليّة، جاء بنتائج لم تنسجم مع تلك المطالب، ممّا يرجّح أنّه سبب لطرح الصدر فقرة الانتخابات الأوّليّة أعلاه.
أمّا رئيس الوزراء السابق المالكي، فاستند على تحالفه مع جماعات رئيسيّة في الحشد الشعبيّ، في إطار النزاع على الزعامة نفسه. إذ يضمّ ائتلاف دولة القانون الراهن منظّمة بدر التي تعدّ القوّة السياسيّة والقتاليّة الأساسيّة، وصرّح رئيسها هادي العامري في وقت سابق، بأنّ المالكي هو من أسس الحشد، معزّزاً بذلك العلاقة الوثيقة بين الجانبين. كما تتحدّث المصادر الصحافيّة عن تقارب بينه وبين فصائل رئيسيّة في الحشد الشعبيّ، لخوض الانتخابات المقبلة. بالطبع، لا يشمل هذا التقارب كلّ الحشد، بل الجزء المنظّم مسبقاً فيه والقريب من إيران. مثلاً، لا يوجد تقارب مع فصائل المتطوّعين المرعيّة من قبل مرجعيّة السيّد علي السيستاني، وقد ذهبوا إلى القتال، استجابة لفتوى “الجهاد” التي صدرت بعد سقوط الموصل في يدّ “داعش” في حزيران/يونيو 2014.
ومن المرجّح أن يكون العامل الحاسم في هذه اللحظة الأكثر صخباً شيعيّاً، هو قدرة قادة الحشد على الاحتفاظ بزخم شعبيّتهم الحاصلة من دحر “داعش”، ممّا يضمن للمالكي قاعدة انتخابيّة واسعة تبقيه حاضراً بكتلة كبيرة، وتمنع الخصوم من الحصول على مطلبهم المتمثّل في محاسبته على خلفيّة اتّهامات بالفساد والتفريط بالموصل في عام 2014.
في ظلّ هذا الوضع الحادّ والزاخر بالتطوّرات، قدّم الحكيم مبادرة سمّيت بـ”التسوية التاريخيّة”، لتسجيل الحضور بعيداً عن ثنائيّة الشارع-الحشد المعتمدة من قبل خصميه الشيعيّين. وتعود هذه المبادرة إلى خطاب كلاسيكيّ للمجلس الأعلى الإسلاميّ العراقيّ الذي يقوده الحكيم، والمبنيّ على الحلول السياسيّة المرنة، لكنّها في جانب آخر، تعدّ “اصطفافاً” سياسيّاً لا يبتعد عن الانتخابات، يضمن للحكيم البقاء في واجهة الأحداث.
وعادة، امتلك وريث مرجعيّة آل الحكيم، علاقات جيّدة مع بلدان مجاورة، وهي امتداد لعلاقات سلفيه في قيادة المجلس الأعلى الإسلاميّ العراقيّ، منذ زمن معارضة النظام العراقيّ السابق. فتحالفه التقليديّ مع إيران لم يمنعه من زيارة بلدان خليجيّة مناوئة لسياسات الجمهوريّة الإسلاميّة. وما مبادرة التسوية إلّا محاولة جديدة للبقاء في ساحة انفتحت على استعراض قوّة بوسائل مستحدثة. وعلى الرغم من أنّ هذه المبادرة تعاني من إبهام في الكثير من جوانبها، ولم يتّضح إلى أيّ جهّات موجّهة، إلّا أنّ الحكيم قام بجولة إلى الأردن وإيران للترويج لها. “اللين” السياسيّ، وخطاب الترطيب، والعلاقات الجيّدة بالخارج، منهجيّة هذا الفصيل السياسيّ للبقاء في إطار الصراع الشيعيّ الدائر.
لكنّ وفي الوقت الذي يعجز المالكي والحكيم عن تحريك الشارع واستخدامه في المعركة السياسيّة، يسعى الصدر إلى تجريد خصميه من أدواتهما، وتبنّيها بدلاً عنهما. وما مبادرته الأخيرة إلّا إعلان رفض واستبدال، لمبادرة التسوية التي طرحها الحكيم، والتي لم تخرج بعد من دائرة التحرّكات المكّوكيّة. وعلى الرغم من أنّ الثاني يتحرّك في اتّجاه المصالحة، إلّا أنّ الأوّل يبدو أشمل فيما طرح. ولهذا لقي ترحيباً من قبل بعض القيادات السنيّة كأسامة النجيفي وخميس الخنجر.
ومثّلت المصالحة بين الصدر وقادة الحشد، وظهورهم المشترك في مؤتمر صحافيّ في تشرين الأوّل/أكتوبر 2016 محاولة لتحييده في الصراع الدائر مع المالكي. الاقتراب من الحشد، هو أيضاً مدّ جسور ولو محدودة، مع الجانب الإيرانيّ المتحفّظ على تحرّكات الصدر الأخيرة، من دون الدخول في تحالف مباشر مع هذا الجانب.
في هذه المعركة، وحتّى الآن، الصدريّون هم الأكثر قدرة على تحجيم دور أدوات خصومهم، ممّا يجعل تيّارهم في وضع مريح أكثر من الآخرين. غير أنّ المشكلة التي يعاني منها، هي ثقة الشركاء السياسيّين من المكوّنات الأخرى، بالدخول في تحالفات مقبلة، في ظلّ التصعيد تجاه كلّ الأطراف منذ اقتحام مجلس النوّاب، والذي أدّى إلى صناعة جدران عالية، دفعته إلى التقارب مع حزب الدعوة أو المجلس الأعلى الإسلاميّ العراقيّ أكثر من ذي قبل.
ولا توجد أيضاً في الوقت الحاليّ، بوادر تقارب بين الصدريّين والأكراد، سواء على محور الاتّحاد الوطنيّ القريب من المالكي والصديق للإيرانيّين أم محور الحزب الديمقراطيّ الذي صعّد من خطابه ضدّ المالكي والصدر، والقريب من تركيا. الفرص المتوافرة حتّى الآن، هي التقارب مع إياد علّاوي وبعض القيادات السنيّة، وهي ما تزال فرصاً في طور التخمينات.
كما أنّ حجم النفوذ البرلمانيّ لزعيم ائتلاف دولة القانون، ونجاحه في الإطاحة بأكثر من وزير ووصول الأمر إلى إقالة محافظ بغداد التابع إلى التيّار الصدري، تعدّ عقبة راهنة مهمّة، تقلّل من فرص إجراء تغييرات قانونيّة يريدها التيّار الصدري، إذا بقيت الأمور ضمن السياقات الدستوريّة المعروفة.
الخلاصة أنّ الصراع الشيعيّ-الشيعيّ سيبقى صراع من يصبح الزعيم الأقوى في الساحة العراقيّة.(المونيتور)