لا يسود التفاؤل بأداء الاقتصاد لهذا العام؛ بل ويبدو الجو متشائماً نتيجة الأزمة المالية المتفاقمة لأسباب محلية وإقليمية. مع ذلك، يجب تذكر أن هذه ليست الأزمة الأولى التي يمر بها اقتصادنا ويعبرها بسلام.
شروط النجاة معروفة، وإن كانت غير سهلة. من ضمنها التزام الحكومة تنفيذ البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي؛ كما التزام تطبيق موازنة العام الحالي، مترافقاً ذلك حتماً مع إقناع المجتمع بجدوى الإجراءات الحكومية، بحيث يكون الجميع في المركب ذاته.
عمليا، نحن في الشهر الثاني من السنة المالية. لكن الحكومة لم تتخذ بعد القرارات التي تسعفها للالتزام بأرقام موازنة 2017، والتي تقتضي زيادة الإيرادات بقيمة 450 مليون دينار؛ للحفاظ على المستويات القائمة لعجز الموازنة العامة والدين العام.
التأخر في اتخاذ القرارات الضرورية، أياً كانت أسبابه، سيؤدي إلى عدم التزام الحكومة بالموازنة التي وضعتها ووافق عليها البرلمان، وبما يعني أيضا أن المؤشرات المستهدفة لن تتحقق، وصولاً بالمحصلة إلى تقييم سيئ لأداء الاقتصاد من قبل المؤسسات الدولية، وتحديدا صندوق النقد الدولي الذي ينتظر من الحكومة إجراءات تؤكد التزامها بالخطة المالية المتفق عليها بين الطرفين.
ما تم منذ بداية العام يقتصر على قرار فرض زيادة بقيمة 7 قروش على كل ليتر بنزين فئة “أوكتان95″، الذي يستهلك الأردن منه 200 مليون ليتر سنويا؛ وكذلك زيادة مقدارها 3 قروش على ليتر بنزين “أوكتان90” الذي يبلغ حجم الاستهلاك منه 1.2 مليار لتر سنوياً. والقراءة بالاستناد إلى قيمة هاتين الزيادتين، تقول إن الحكومة سعت إلى تخفيف عبء الزيادة على الشريحة الأوسع من المستهلكين، مقارنة بفئة مستهلكي “بنزين 95″، بهدف عدم التأثير في الشرائح الأقل دخلا.
عند هذا الحد توقفت الخطوات الحكومية، لكن “ورشة” البحث عن مصادر للإيرادات ما تزال مستمرة. فقطاع الاتصالات الذي أنهكته الضرائب، ما يزال هدفا، فيما آليات ذلك ما تزال بشكل عام غامضة، إذ لم يستقر الرأي بعد لدى الحكومة وشركات الاتصالات على كيفية تحصيل إيرادات جديدة من دون إيقاع الضرر بالقطاع.
فالآن، يتم الحديث عن زيادة الضريبة حد مضاعفتها على خدمة البيانات، بحيث تصل إلى 16 % صعودا من 8 %. وهي الخطوة التي يقول الخبراء والمسؤولون في الحكومة والشركات، إنها لن توفر مبلغا كبيرا مقارنة بما هو مطلوب؛ إذ تقترب تقديرات الإيراد المحصل نتيجة ذلك من مبلغ 25 مليون دينار لا غير، مع توقعات بزيادته مستقبلا بحكم زيادة الطلب والاستهلاك.
أما الخطوة الحكومية الكبيرة والمنتظرة، فتتعلق بإعادة هيكلة الضريبة العامة على المبيعات، وكذلك ضريبة الدخل. إذ تُظهر الأرقام أن حجم الإعفاءات الممنوحة يتجاوز 3 مليارات دينار، ولتعاد هيكلة هذه الإعفاءات بطريقة لا تمس الفقراء ومحدودي الدخل، كما الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى.
بعد الخطوات الحكومية السابقة المنتظرة لزيادة الإيرادات، تبقى عيون الأردن متجهة إلى الحلفاء والأشقاء والأصدقاء لإعانته على تجاوز العام الحالي. ويبدو مستبعداً تخلي هؤلاء عن الأردن في هذا الظرف القاسي.
بالنتيجة، يستطيع الأردن حتماً تجاوز أزمته الحالية كما فعل سابقاً وعلى الدوام. وشرط ذلك تمكّن الحكومة من شرح كل سياساتها بشكل صحيح، مدعومة بدور الأردن الذكي في الإقليم. والجميع شركاء في مسؤولية تجاوز الحالة المعقدة، عبر الالتزام الكامل بمتطلبات عبور العام 2017 بسلام.