تتأخر الكتب كثيرا حتى تُعدّ وتُكتب ثم تصدر، ثم تترجم ثم تنشر. فحين نتحدث عن الكتب العربية التي صدرت في العام 2016، فإنها تعكس الأفكار والاتجاهات والأسئلة التي تشكلت قبل عشر سنوات، وربما أكثر. ولم يكن ذلك، بطبيعة الحال، يشكل أزمة كبيرة أو نقصا في المعرفة وتنظيمها؛ إذ كانت الأفكار تتفاعل في بطء، وتجري مناقشتها والإضافة إليها ومراجعتها من خلال الصحف والمجلات، ثم تتطور هذه النقاشات في المؤتمرات والبحوث العلمية، ويتحول بعضها لاحقاً إلى كتب. وبعضها الآخر يولد كتابا يعبر عن أفكار واتجاهات واحتياجات يشعر بها المؤلفون والباحثون والمفكرون، لكن الأفكار في السنوات الأخيرة ترحل وتتغير وتتولد في سرعة تفوق قدرة التأليف الناضج على المواكبة والاستيعاب. وهذا أيضا ليس عيبا كبيرا في العمل المعرفي.
لكن العيوب القاتلة اليوم تبدو في ثلاث ظواهر رئيسة: الاستمرار في إنتاج وتداول أفكار منقرضة، ومواصلة العمل عليها في مؤسسات ومؤتمرات وكتب ومنتديات، وهدر المال والجهود في الإنفاق والعمل على ما لم يعد له ضرورة وحتى جدوى أو معنى. وأسوأ من ذلك مقاومة الأفكار والاتجاهات الجديدة ومحاولة منعها، وفي ذلك يزيد الهدر والتخلف ونضيّع فرصا مهمة في التقاط اللحظة والاستجابة لها. والأسوأ من ذلك، هو التصدي للأفكار والاتجاهات الجديدة في عمليات توظيف أو معالجة مسلوقة غير كافية ولا تستوعب متطلباتها؛ فيضاف هدر ثالث، ونفوّت على أنفسنا المعرفة ثم ننفق على عدم المعرفة!
أرشح الكتب التالية كأفضل عشرة كتب صدرت باللغة العربية في العام 2016، وجميعها مترجمة: الإسلام والعلمانية/ أوليفييه روا (ترجمة صالح الأشمر، دار الساقي)؛ أخبار الحلاج/ لوي ماسنيون وباول كراوس (دار الجمل)؛ تثنية التوراة: اليد القوية/ موسى بن ميمون (ترجمة محمود خليل حسين، دار الجمل)؛ تفسيرات وراثية: المعقول واللامعقول/ تحرير شيلدون كريمسكي وجيرمي غروبز (ترجمة ليلى الموسوي، عالم المعرفة-الكويت)؛ المدينة على مر العصور (جزءان)/ لويس ممفود (المركز القومي للترجمة-القاهرة)؛ الواقع الذي نحياه وكيف نفكك شفرته (نظرة للكون كمعلومات كمومية)/ فلاتكو فيردال (ترجمة عاطف يوسف محمود، المركز القومي للترجمة)؛ رأس المال في القرن الحادي والعشرين/ توماس بيكتي (ترجمة وائل جمال وسلمى حسين، منتدى البحوث الاقتصادية-القاهرة)؛ مشكلة الفيزياء: نهضة نظرية الأوتار وانحدار التعلم وما يأتي لاحقا/ لي سمولن (ترجمة عزت عامر، المركز القومي للترجمة)؛ البارود: تاريخ المادة المتفجرة التي غيرت العالم/ جاك كيلي (ترجمة صلاح عويس، المركز القومي للترجمة)؛ التقارب التالي: مستقبل النمو الاقتصادي في عالم متعدد السرعات/ مايكل سبينس (ترجمة حمدي أبو كيلة، المركز القومي للترجمة).
ويبدو واضحا من الاختيار أن المركز القومي للترجمة في مصر قدم أفضل الاختيارات. والواقع أنه تفوق، سواء في العدد أو نوعية الكتب أو مستوى الترجمة، على جميع المؤسسات الأخرى للترجمة، بما فيها تلك التي تحظى بموارد وإنفاق أفضل.