بموجب نص المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية، أوقف مدعي عام محكمة أمن الدولة 12 شخصا لنشرهم تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تضمنت عبارات ذم وتحقير لضحايا العملية الإرهابية الأخيرة في أحد مطاعم إسطنبول، خاصة أنّ من بين هؤلاء الضحايا الأبرياء مواطنين أردنيين.
وسبق للسلطات الأمنية أن أوقفت في حوادث سابقة أشخاصا نشروا تعليقات على “فيسبوك” تضمنت تحريضا على الكراهية والتفرقة، وعبارات مسيئة بحق ضحايا الإرهاب تحديدا، كما حصل عقب اغتيال الشهيد ناهض حتر قبل أشهر قليلة.
إلا أنه حتى الآن لم نسمع عن صدور أحكام قضائية في مثل هذه القضايا.
لكن في ظل وجود ملايين الحسابات لأردنيين على منصات التواصل الاجتماعي، يستحيل أن تنجح السلطات المختصة في تتبع التعليقات التي تحرّض على الكراهية، أو تشجع الأعمال الإرهابية. وإذا ما قدر لها ذلك، فمن غير المعقول أن تسوق كل يوم عشرات وربما المئات من دعاة الفتنة والكراهية إلى المحاكم.
قد يقول قائل إن معاقبة بضعة أشخاص من هذا الصنف الرديء من البشر كفيل بردع الآخرين. ولو كان هذا التقدير دقيقا، لما وقعت جرائم قتل وسرقة بعد أول جريمة سُجِن أو أعدم مرتكبها.
هذا النوع من الجرائم القائمة على ثقافة الكراهية لن تنتهي، في ظل ثورة تكنولوجية هائلة، وفّرت لملايين البشر فرصة التعبير الحر من دون قيود مهنية أو أخلاقية، لدرجة أصبحت معها هذه المنصات مصدرا لتهديد السلم الأهلي.
وحتى وقت قريب، مثلت مواقع التواصل الاجتماعي تحديا لسيادة الدول وقوانينها التي وقفت عاجزة أمام هذه الظاهرة، في ظل إجماع عالمي على حق البشر في التعبير من دون قيود.
لهذا، اتجهت عديد الدول إلى تطوير تشريعاتها لإلزام الشركات القائمة على إدارة مواقع التواصل الاجتماعي؛ “فيسبوك” و”تويتر” على وجه التحديد، تحمّل مسؤولياتها في إزالة التعليقات المسيئة للأفراد، أو تلك التي تحض على الكراهية، وتشجع على ارتكاب الأعمال الإرهابية وتمجدها.
ألمانيا؛ الدولة الديمقراطية العريقة، في طريقها إلى سن قانون يلزم تلك الشركات بفتح مكاتب في جميع المقاطعات والمدن، لتلقي الشكاوى على ما ينشر من تعليقات. ويلزمها القانون البت بهذه الشكاوى في غضون 24 ساعة، وإزالة التعليقات المسيئة على الفور، أو تكبد غرامات مالية باهظة.
ويبدو أن دولا أوروبية أخرى ستحذو حذو ألمانيا، بعدما أصبح خطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المتطرفين مصدرا لتهديد أمن هذه الدول.
حكومة إسرائيل ناقشت منذ أيام مشروع قانون “فيسبوك”. ومع قناعتنا بسوء النوايا الإسرائيلية من وراء هذا القانون، الموجه ضد ثقافة المقاومة للاحتلال، إلا أنه إشارة على أن الدول لم تعد تحتمل اختراق الفضاء الإلكتروني لحدودها وسيادتها.
قبل يومين، أعلن وزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني، أن الحكومة تدرس إصدار تشريع مختص بوسائل التواصل الاجتماعي، لكبح ثقافة الكراهية التي بدأت تشكل مصدرا رئيسا، إن لم يكن الأول للسلم الأهلي في الأردن، ووسيلة من وسائل الترويج لثقافة التطرف وتمجيد الإرهاب والإرهابيين.
وحسب فهمي، فإن التشريع المنوي وضعه، موجه بالدرجة الأولى لتنظيم العلاقة مع الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي، على غرار ما تقوم به ألمانيا، يلزمها بالتعاون مع السلطات للبت بشكل عاجل بشكاوى المتضررين من الإساءات، سواء كانوا أفرادا أو جهات رسمية، وإزالة هذه التعليقات على الفور، وإغلاق حسابات المروجين للأفكار المتطرفة، بغض النظر عن توجهاتهم، خاصة أن الآلية القائمة حاليا للبت بشكاوى السلطات بطيئة، وتخضع لشروط تلك الشركات، ولا تقترن بالمسؤولية القانونية على المستوى الوطني لكل دولة.