عروبة الإخباري- في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) سيحيي الكثيرون في العالم العربي ذكرى الشرارة الأولى لثورات «الربيع العربي»، إشعال «بوعزيزي» التونسي النار في نفسه، وذلك بعد مرور 7 سنوات على بداية ثورات الربيع العربي.
في تقريرٍ الأمم المتحدة «ذي اللغة الدبلوماسية النمطية»، هل حقًا ما يحرك ثورات الشباب في الشرق الأوسط انشغالهم بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتبار إسرائيل بداية ونهاية الصراع في المنطقة، حسب بعض استطلاعات الرأي، و«معاداة الأمركة»؟ أم أن الفساد الاقتصادي والاستبداد السياسي وغياب العدالة الاجتماعية هي السبب في تفاقم أزمات الشباب، فتدفعهم للتمرد؟
نشر موقع «جيروزاليم بوست» تقريرًا يعرض أهم ما جاء في تقرير الأمم المتحدة الصادر الثلاثاء الماضي حول التحديات الشاقة التي تواجه الدول العربية عبر منطقة الشرق الأوسط، ولعل أهم ما جاء في التقرير هو أنه «دق أجراس الإنذار بثورة شباب وشيكة».
أسباب التمرد: سياسية..اقتصادية..اجتماعية
فما كشف عنه التقرير بشأن ازدياد الاضطرابات بين الشباب العربي بين عمري 15 و 29 عامًا بالتأكيد سيسترعى انتباه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
وكتب المسؤولون عن تقرير التنمية الإنسانية العربي لعام 2016 «تشير التقديرات الحالية إلى أنه من المتوقع زيادة عدد السكان المعرضين لأخطار الصراعات في البلاد العربية في الشرق الأوسط، من حوالي 250 مليون فرد في عام 2010 إلى ما يزيد عن 350 مليون فرد في عام 2020»، وأضافوا «وقد زاد عدد البلدان العربية المعرضة للصراعات من خمسة بلدان في عام 2010 إلى 11 بلدًا في عام 2016».
«فقط الانهيار التام للأنظمة، وأي حل آخر هو فقط مسكنات مؤقتة».
فأسباب الصحوة العربية التي بدأت في عام 2011، وعرفت بالربيع العربي ـ والتي لم تعد لها نفس الشعبية الآن ـ ماتزال قائمة وتضرب في الصميم من الأمة الإسلامية وشمال إفريقيا. يضم تقرير الأمم المتحدة ستة قطاعات يمكنها أن تزيد من تفاقم عدم الاستقرار المنتشر حاليًا بالفعل في المنطقة.
العوامل تتمثل في «ضئآلة فرص العمل المناسبة، وضعف المشاركة السياسية، ورداءة خدمات الرعاية الصحية والتعليم، وسوء إدارة التنوع الاجتماعي، وانتشار الممارسات والمفاهيم الموروثة التي تعزز من عدم المساواة بين الجنسين، والصراعات المطولة التي تقوض مكتسبات التنمية للمجتمع».
وإذا لم يتمكن الزعماء العرب ـ سواء الملوك والقادة العسكريون الاستبداديون ـ من معالجة العوامل التي تعوق التقدم للشباب العرب، يتوقع التقرير أنهم «سيصبحون مصدرًا قويًا لعدم الاستقرار الاجتماعي طويل الأمد، مهددًا بذلك الأمن الإنساني».
وتذكر الـ«جيروزاليم بوست» أنه لزيادة التأكيد على المخاطر المنتظرة، ما كتبته «إيكونوميست» في الثلاثاء الماضي «يشكل العرب فقط 5% من الكثافة السكانية العالمية، إلا أنهم مسؤولون عن نصف الإرهاب في العالم، وكذلك اللاجئين».
يدور التقرير المكوَّن من 274 صفحة حول أسباب الإبادة الجماعية والتمييز بين الجنسين والفساد الاقتصادي المستشري، والإسلام المتطرف ـ الذي لم يُذكَر فيه اسما الديكتاتور السوري «بشار الأسد» أو حاكم الجزائر المقعد «عبد العزيز بوتفليقة» ـ فضلًا عن أن هناك العديد من الزعماء العرب الآخرين الذين يمكن إضافتهم للقائمة؛ فاللغة الدبلوماسية النمطية للأمم المتحدة ـ أو أحيانا الغامضة ـ حاضرة بشدة في التقرير.
صرح دبلوماسي إسرائيلي سابق له خبرة واسعة في الشرق الأوسط للـ«جيروزاليم بوست» قائلًا «المشكلة الأكبر تتمثل في أن الدول هي المسؤولة عن أغلب الموارد القومية، وتضيق الخناق على أية مبادرات جيدة للسوق الحر من الشباب والموهوبين. طالما يمكن للدولة شراء السلام عن طريق المعونات الحكومية الضخمة، إذن الأمور على مايرام».
وأضاف الدبلوماسي المخضرم: أنه بمجرد أن تفشل المقايضة «ستبدأ الاضطرابات، فبالكاد لا يوجد أي سوقٍ حرة، أو تقنية عالية (على الرغم من أن الكثيرين يدرسونها)، والأكثر ضراوة الفساد؛ فتلك تمثل المكونات التي ستستمر في تأجيج الوضع في المستقبل القريب. هل هناك علاج؟ فقط الانهيار التام للأنظمة، وأي حل آخر هو فقط مسكنات مؤقتة».
«إذا كانت نصف الكثافة السكانية ليست عازمة على التحرك، ليست هناك فرصة في التقدم»
يساعد هذا التحليل في تفسير أحد أهم الاستنتاجات التي خرج بها التقرير «اتساع الفوارق الاجتماعية، دفع الناس للتمرد، وكان الشباب في طليعة الثورات: الفساد والتنمية المشوهة دفعهم إلى اليأس من الحشد الاجتماعي».
الشباب العربي وإسرائيل
ولىّ عصر الهدوء المخادع في العالم العربي الراكد. تصطدم إحدى التوصيات المتطلع إليها في التقرير بالتركيز على إسرائيل؛ باعتبارها مصدر بداية ونهاية الصراع في المنطقة. يشير التقرير إلى إسرائيل حوالي 29 مرة، ويدعي «أن السبب في كون الفلسطينيين ما يزالون أكبر وأخطر تهديدًا وجوديًا لإسرائيل في المنطقة، وسيستمرون كذلك، هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وطالما استمرت مبادرة السلام العربي عام 2002 ، وغيرها من الجهود الدولية لحل الأزمة في ركود».
أشارت دراسة الأمم المتحدة إلى مؤشر استطلاع الرأي العربي لعام 2015 الصادر عن المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، الذي ينص على أن «75% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن القضية الفلسطينية ليست مشكلة الفلسطينيين وحدهم، لكنها عربية أيضًا. و85% منهم يعارضون اعتراف بلادهم الدبلوماسي بإسرائيل».
فبعد وفاة عشرات الآلاف من الشباب على مر حوالي 6 سنوات من الحرب الأهلية السورية، من الصعب معرفة مقدار مصداقية استطلاعات الرأي في المنطقة، ففي نهاية المطاف، رسم حوالي 15 شابًا سوريًا شعارًا على حوائط مدينة درعا في 2011 معلنين عن أن «الشعب يريد إسقاط النظام»، فساقهم النظام إلى زنزانات التعذيب. هل كان هؤلاء الشباب يشغلهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ يقول التقرير «وعي الشباب بقدراتهم وحقوقهم يصطدم بواقع تهميشهم، وسد كل سبلهم في التعبير عن آرائهم أو المشاركة بفاعلية أو حتى كسب لقمة العيش».
يهمل التقرير أية إشارة إلى انتشار عداء الأمركة وعداء السامية في المنطقة، بينما يقترب مباشرةً من الاعتماد على العقيدة الدينية المتعصبة؛ إذ تشير الوثيقة إلى «استمرار الجماعات التي تسيء استخدام الدين للاستفادة من دوره المحوري في تشكيل الهويات في الاحتيال على الشباب»، كما تم الاستشهاد بجماعة «الإخوان المسلمين» كأحد حركات الإسلام السياسي.
لا توجد هناك تحذيرات تعكس تعليقات «برنارد لويس» مؤرخ الشرق الأوسط البارز، الذي صرح للصحيفة عام 2011 قائلًا «لا أعتقد بأية حال من الأحوال أن الإخوان المسلمين جماعة جيدة، بل أعتقد أنهم حركة إسلامية راديكالية خطرة للغاية، إذا وصلوا إلى السلطة، سوف تكون العواقب كارثية في مصر».
قال «يوجين ورجان» عالم التاريخ المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد، من خلال كتابه «تاريخ العرب»” الذي صدر عام 2009 «إذا تمتعت الشعوب العربية بحقوق الإنسان، والقدرة على محاسبة حكوماتهم، والأمان، والنمو الاقتصادي، فإنهم سوف يأخذون بزمام المبادرة بأنفسهم».
سوف يحيي كثير من العرب في 17 ديسمبر (كانون الأول) ذكرى تضحية «محمد بوعزيزي» بنفسه، بائع الفاكهة التونسي الذي أشعل النار في نفسه في ذلك اليوم من عام 2010، احتجاجًا على فساد الدولة البوليسية للرئيس السابق بن علي، والذي أشعل شرارة الربيع العربي.
يضع تقرير الأمم المتحدة بشكل كبير العبء على الطبقة الحاكمة في العالم العربي لإحداث التغيير، ولكن سيكون هناك المزيد من الثورات العربية، والمزيد من الاحتجاجات الفردية على غرار بوعزيزي.