في الأسبوع الماضي تكلمت بإيجاز عن جريمة انتهاك الأخلاق من قبل نجوم «السوشال ميديا» التي أصبحت ظاهرة تتحدى كل ضوابط العقاب، ولأن انتهاكات شبكات التواصل الحديثة لا تنتهي، فإن للحدث بقية، نسلط فيها الضوء هذا الأسبوع على جريمة أكثر حقارة يمارسها ثعالب برامج التواصل الاجتماعي بخبث بالتحايل على القانون من خلال (تويتر وفيسبوك وسنابشات وإنستغرام) وغيرها من مدن التواصل الاجتماعي، التي سكنت ضمائر كثير من روادها غرفاً «مهترئة» داخل بيوت شبكة عنكبوتية واهنة الضمير، يمارسون من داخلها تصفية حساباتهم مع خصومهم من وراء شاشة.
كلنا نقول مقتنعين أو مجرد مرددين، إن اختلافات الرؤى والتفكير وتباين وجهات النظر لا تفسد للود قضية، ما لم تخرج عن إطار النقاش المكبل بمكابح الأدب والاحترام للرأي المخالف، مع حفظ حرية التمسك بالقناعات ما دامت لا تؤذي الآخرين.
ولكن، من داخل معتقل الأذى هذا يفر كثيرون! فنراهم من خلال أجهزتهم الحاسوبية أو الذكية وحساباتهم الرسمية أو الافتراضية يحاربون الله ورسوله من خلال ممارسة الظلم، ويفسدون في الأرض بأذاهم الذي يمارسونه على أرض واقع خصومهم وحياتهم الشخصية، فيعيثون به فساداً حتى تشيع «فاحشة» الإساءة، وتسود الكراهية، من دون أن يقتل قانون صارم شر حقدهم، أو يصلب مكرهم، أو تقطع أيديهم التي تكتب، وأرجلهم التي تسعى، أو ينفوا إجبارياً بسطوة القانون من مواطن التواصل الاجتماعي الحديث إلى أن تستتاب ضمائرهم، فيعود لهم رشدهم ويسلم الناس من أذاهم.
من قبل، كانت افتراسات الحقد تمارس من خلال لدغات حسابات بأسماء مستعارة تنفث سمومها افتراءً وظلماً، سباً وشتماً وقذفاً، صاحبها يؤذي من وراء حجاب، في الوقت الذي يحرص فيه على تلميع صورته الحقيقية بالأخلاق والشعارات البراقة، إلى أن أدرك الناس أن القذف من خلف اسم مستعار ما هو إلا دليل براءة ووسام شرف على صدر مقذوف جبن القاذف عن مواجهته، فتحوّرت الطرق وتطوّرت، وأصبحت الحسابات بالأسماء الحقيقية لتلك «الكويتبة» المغمورة التي أحرقت الغيرة قلبها من نظيرتها المميزة، أو ذلك الأديب الذي عجز عن تحقيق نجاح وصل إليه غيره، أو ربما تصفية حسابات بين معلمين ومعلمات بينهم وبين بعضهم أو بينهم وبين طلبتهم، أو أصحاب أعمال تجارية بينهم مارثونات تنافسية، أو إعلاميين بينهم غيرة إعلامية، وغير ذلك من الأمثلة كثير التي يستخدم معدومو الضمير فيها لغة التلميح، التي يشيرون فيها إلى ظروف المستهدف لحقدهم أو تغريداته أو الانتقاص منه وقذفه بالسير بأحذية من تلميحات قذرة على أرصفة حياته من دون الدخول إلى منطقتها بشكل مباشر!
هنا يأتي السؤال المهم، ما هو دور أجهزة مكافحة الجرائم الإلكترونية في نصرة المعتدى عليه؟ وهل هي فعلاً قادرة على إيقاف الإساءة أم أن دورها قاصر إلى درجة أنها أصبحت بتقليدية أنظمتها ناصرة للفساد والظلم بدل أن تكون قاطعة لرؤوس أفاعيه؟
تلك الأسئلة تجعلنا نطرح أسئلة أكثر خطورة، هل قصور أنظمة التتبع لمجرمي الشبكة العنكبوتية بحساباتهم الوهمية أو الصريحة يجعلنا نعتمد قوانين الغاب في استرداد الحقوق، ونعاملهم بمثل ما نحارَب به من أسلحتهم، ممتطين خيل ورجل القذف وكشف مستور الحياة الشخصية، التي من حق كل إنسان أن يحتفظ بها بعيداً عن أعين المتلصصين، إلا إن هم أجبرونا ليعلموا أن سكوتنا عنهم ليس ضعفاً أو جبناً، إنما ترفع عن النزول إلى مستنقع وحلهم الأخلاقي وأمل في عودتهم إلى دائرة الخوف من الله الذي ينعش ضمائرهم التي تحتضر على أسرة الحسد السوداء، وإن لم يعدهم رقينا إلى رشدهم سيعيدهم إليه إجباراً قانون صارم؟ وهل عجز الجهات المسؤولة عن التصدي لاختراقات خصوصيات الآخرين والتعدي عليهم وأذيتهم بالتلميحات والقرائن التي لا تأخذ بها القوانين الرسمية إن لم يلمس المؤذِ جوهر الحياة الشخصية من دون تصريح بها يجعلنا ننشغل عن بناء أنفسنا وتطوير ذواتنا ومجتمعاتنا والارتقاء بأخلاقياتنا إلى ما هو من دون مشاحنات ودسائس، ومحاولة الدفاع عن النفس بالذراع الذي يتخذ من رقعة – الكيبورد – ساحة حرب له. هذه الأسئلة فمن يجيب حتى يعرف كل قاذف ومقذوف معتدى عليه أين موقعه من خريطة العقاب القانوني سواء أكان الأذى تلميحاً أم تصريحاً؟