عروبة الإخباري- يلزم رئيس الحكومة المغربية المكلف، عبد الإله بنكيران، بيته في حي الليمون، وسط العاصمة الرباط، ولا يغادره إلا لماماً، فهو لم يباشر عمله كرئيس حكومة فعلي، باعتبار أن الحكومة الحالية هي لتصريف الأعمال، ولا يمكنها وفق الدستور المصادقة على قرارات أو مشاريع قانونية تؤثر على قانون المالية المقبل، كما أن مشاوراته بشأن تشكيل الحكومة الجديدة باتت مجمّدة. وفي الوقت الذي تتعثر فيه مفاوضات بنكيران لتشكيل حكومته الثانية، بعد أن تم تكليفه بذلك من قِبل الملك المغربي محمد السادس منذ شهر ونصف، ظهرت “فتاوى سياسية” لعدد من خبراء الدستور والقانون تدعو إلى “حلحلة” الجمود الحكومي، وما يتسبب فيه من هدر للزمن البرلماني، إذ لم تنعقد أية دورة للبرلمان على الرغم من انعقاده قبل أسابيع.
واقترح خبراء دستوريون، منهم نادية البرنوصي، أستاذة القانون الدستوري وعضو لجنة صياغة الدستور المغربي الجديد، ما سموه حلاً لتجاوز “الجمود” في تشكيل الحكومة، بأن يتم استبدال بنكيران، واختيار شخص ثانٍ رئيساً للحكومة من داخل حزب “العدالة والتنمية”، أو الاستعانة بالحزب الذي جاء ثانياً في الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أو حل البرلمان وإعادة الانتخابات من جديد. كلام لا يفهم منه إلا انقلاب على الإرادة الشعبية وعلى نتيجة الانتخابات التي أتت ببنكيران وحزبه في صدارة النتائج.
ورأى رئيس المركز المغربي لتحليل السياسات، عبد الرحيم المنار اسليمي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن المغرب يعرف أزمة حكومية، نظراً لثلاثة أسباب رئيسية متكاملة: السبب الأول طول المدة الزمنية التي قضاها بنكيران في المشاورات، والتي لها تأثير على باقي المؤسسات، منها البرلمان الذي لا زال في حالة توقف عن العمل. وأضاف اسليمي أنه لن يكون بإمكان نواب البرلمان المغربي الدخول مباشرة في مناقشة قانون المالية من دون مراكمة خبرات كافية، فقد يكتفون بالتصويت فقط، مشيراً أيضاً إلى “احتمال حدوث سنة ضائعة ما دام أن البرنامج الحكومي ستطول مدة إعداده ومناقشته، فنحن أمام خسارة زمنية كبيرة ستكون لها كلفتها الداخلية والخارجية”.
والسبب الثاني، وفق الخبير ذاته، يرتبط بـ”الخطأ الذي ارتُكب بخصوص استقالة الوزراء الفائزين في الانتخابات، فالوضع الحكومي الآن فيه حكومة شبه تصريف الأعمال، وهي حالة غير عادية، فالاستشارة القانونية التي قدّمت لهؤلاء الوزراء بالاستقالة لم يتم التفكير في كلفتها ما دام تشكيل الحكومة غير مرتبط بمدة زمنية”. أما العامل الثالث، بحسب اسليمي، “فيتجلى أساساً في الصراع السياسي والحزبي الذي تحوّل إلى صراع شخصي بين قيادات أحزاب التشاور، وعودة خطاب بنكيران المستعمل في الحملة الانتخابية، ما يمكن تسميته بخطاب المؤامرة بين المتشاورين”. وحول السيناريوهات المتوقعة لمصير الحكومة الجديدة، لفت اسليمي إلى أن هناك سيناريو أول تجسده أزمة المشاورات الحكومية في شخص بنكيران، من خلال عدم قدرته على إقناع الأطراف الأخرى، وعودته إلى خطاب الحملة الانتخابية بالهجوم على القيادات المتفاوضة معها.
هذا الوضع، وفق المتحدث، يفتح إمكانية قراءة الفصل 47 من الدستور من مدخل تعيين شخصٍ ثانٍ من حزب “العدالة والتنمية” لتشكيل الحكومة بدل بنكيران، ما دام الفصل 47 ينص على أن الملك يقوم بتعيين رئيس حكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب. وقال إن هذا الفصل الدستوري مغلق، ولا يسمح بالذهاب للحزب الثاني، ولكنه مفتوح على تعيين شخص ثانٍ بدل الشخص الأول الذي تم تكليفه، وهي حالة بنكيران اليوم، مضيفاً: “بتنا حالياً أمام إمكانية دستورية يمكن اللجوء إليها بعد حالة الجمود، وظهور خلافات مرتبطة بتصريحات رئيس الحكومة المكلف، التي تحوّلت إلى عائق لتشكيل الحكومة”. أما السيناريو الثاني المتبقي، بحسب اسليمي، فيتجلى في الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، وهو سيناريو كبير الكلفة، نظراً للصعوبات المادية واللوجستية لتنظيم انتخابات تشريعية جديدة، والصعوبات المرتبطة بعودة المواطن إلى المشاركة في الاقتراع مرة أخرى.
من جهته، أكد الناشط الحقوقي وأستاذ القانون العام، خالد الشرقاوي السموني، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنه “حسب الفصل 47 من الدستور، يعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، والنص هنا جاء على سبيل الحصر والتحديد، لا اجتهاد معه أو تأويله في غير سياقه”. وأوضح السموني أن المشرع الدستوري أراد من هذا النص احترام إرادة الناخبين الذين صوّتوا للحزب السياسي الذي تبوأ المرتبة الأولى، معتبراً أن “الذين يذهبون من ذوي الاختصاص، إلى القول إن الملك يمكنه اختيار رئيس الحكومة من الحزب الثاني حسب ترتيب نتائج الانتخابات، هو رأي غير صحيح دستورياً ولا يجد له سنداً صريحاً”. وأضاف أن “هناك حالة واحدة في حالة التوافق في تطبيق الفصل 47، وهي عندما لا يستطيع رئيس الحكومة المعيّن من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، تشكيل الحكومة ووقعت أزمة سياسية وتعذرت الحلول، فإنه في غياب نص صريح في الدستور المغربي يعطي إمكانية تعيين رئيس حكومة من حزب آخر، يمكن للملك أن يحل البرلمان، ويعلن عن إجراء انتخابات تشريعية من جديد”. ولفت السموني إلى أن هذا الحق يملكه أيضاً رئيس الحكومة، إذ يمكن له أن يلجأ إلى الفصل 104 من الدستور الذي يعطيه إمكانية حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، وذلك بواسطة بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري.
ولم يتأخر رد قيادة حزب “العدالة والتنمية” حيال هذه “الفتاوى السياسية” المتضاربة، والتي ظهرت بعد وصول مشاورات تشكيل الحكومة إلى باب مسدود، خصوصاً في ظل تواجد الملك في زيارات مكوكية إلى أفريقيا، وبرفقته وزير الزراعة الأمين العام لحزب “الأحرار” عزيز أخنوش، والذي ينتظر بنكيران لقاءه لحسم مشاركته في الحكومة من عدمها.
وشدد القيادي في الحزب الحاكم، مصطفى الرميد، في تصريحات بثها على موقع “يوتيوب”، على أنه لا يوجد أي دافع أو مسوغ لتعيين شخص آخر رئيساً للحكومة بدل بنكيران، وفق دعوات من خبراء ومحللين وإعلاميين، عازياً ذلك إلى أن “بنكيران هو من قاد المرحلة السابقة سياسياً، والمواطنون زكوا قيادة المرحلة التي كان فيها بنكيران رئيساً للحكومة”. ولفت الرميد إلى أن الملك بدوره زكى بنكيران بتعيينه رئيساً للحكومة للمرة الثانية على التوالي، معتبراً أنه “من العيب الحديث عن أي سيناريو آخر، أو شخص آخر رئيساً للحكومة”، وأن “الحديث عن هذه الفتاوى والتأويلات وراءه ما وراءه، ويستبطن ما يستطبن”، وفق تعبيره.(العربي الجديد)