بات من الواضح سياسة واشنطن المرتبكة تجاه مصر منذ نجاح ثورة الـ30 من يونيو التي أطاحت بنظام حكم الإخوان المسلمين، وهو ما بدا في تصريحات المسؤولين الأميركيين المتناقضة والمتضاربة في كثير من الأحيان تجاه ما يحدث في مصر الآن بعد عزل الرئيس محمد مرسي، لدرجة أنه خلال 24 ساعة فقط ظهر هذا التناقض الرهيب في تصريحات جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض وجون كيري وزير الخارجية الأميركي .. حيث قال كارني إن الولايات المتحدة لن تتسرع في تقييم ما حدث في مصر، سواء كان ذلك انقلابا أم لا، بينما في اليوم التالي أعلن كيري أن الجيش المصري بعزله مرسي جنب مصر حربا أهلية، مشيدا بدور الجيش في هذا الصدد!!
ليس هذا الدليل الوحيد على ارتباك واشنطن تجاه ما حدث ولا يزال يحدث في مصر .. ويكفي ما تبثه شبكة “سي أن أن” الأميركية على شاشاتها ومحاولة زعم أن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري على سلطة مدنية منتخبة، وتجاهلت الشبكة الأميركية أنها ثورة شعب ثار على نظام فاشل حاول خطف مصر وإبعادها عن محيطها العربي، حيث خرج 33 مليون مصري حسب تقديرات “جوجل” في مشهد غير مسبوق لم يره العالم من قبل للمطالبة بإسقاط نظام حكم الإخوان، وما فعله الجيش المصري ما هو إلا نزولا على إرادة شعب وتلبية لإرادته، واضعا خريطة طريق لإدارة مصر خلال مرحلة انتقالية تستغرق تسعة أشهر فقط يتم خلالها تعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ثم رئاسية!!
ارتباك واشنطن تجاه ما يحدث في مصر له أسبابه ومبرراته؛ لأن سقوط حكم الإخوان المسلمين يعني للولايات المتحدة فشل مخططها في المنطقة الذي اعتمد على تصعيد تيار الإسلام السياسي إلى السلطة مستغلة ما يسمى بثورات الربيع العربي مثلما حدث في تونس ومصر وليبيا، إلا أنه بسقوط حكم الإخوان في مصر قد ينفرط عقد حكم التيار الديني في دول “الربيع العربي”، وهو ما سيؤثر سلبا بالتأكيد على ما يحدث في سوريا لإسقاط نظام بشار الأسد، على اعتبار أن مصر هي رمانة الميزان في المنطقة، فإذا اختل هذا الميزان في القاهرة سيحدث أثرا بالتأكيد في دمشق ودول أخرى، وهذا هو ما يقلق واشنطن ويجعلها في وضع شديد الارتباك!!
السؤال: هل يدفع الرئيس الأميركي باراك أوباما ثمن دعمه لجماعة الإخوان المسلمين؟ .. لقد كشفت وثيقة سرية تعود إلى تاريخ الـ12 من أغسطس العام 2012 عن حقيقة العلاقة التي تجمع إدارة أوباما بجماعة الإخوان .. الوثيقة تؤكد أن دعم باراك أوباما للإخوان لم يكن دعما لخيار الشعب المصري كما يزعم، وإنما كان ينفذ سياسة خارجية تقوم على تمكين “الإسلاميين” من السلطة مقابل تأمين مصالح أميركا في منطقة الشرق الأوسط .. وتشير الوثيقة إلى أن مصر كانت تستحوذ جدا على عقل أوباما واهتمامه باعتبارها حجر الأساس في المنطقة، وبأن اندلاع “ثورات الربيع العربي” في تونس ومصر لم تكن مفاجأة لواشنطن كما يروج البعض، حيث كانت إدارة أوباما مستعدة جيدا لتنفيذ مخططها لتمكين الإسلاميين من السلطة بعد السقوط المتوقع لبعض الأنظمة العربية .. والهدف من وراء ذلك خلق بديل لمنطق تنظيم القاعدة الذي يقوم على منع التدخل الغربي مقابل تعهد الحكام الجدد بالحفاظ على المصالح الأميركية في المنطقة!!
لقد شهد الكونجرس الأميركي الجمعة الماضية جلسة عاصفة حين تحدث النائب الجمهوري “اوي جهمورت” ممثل ولاية تكساس نحو ساعة كاملة عن مصر عارضا صورا لثورة الـ30 من يونيو واحتشاد الملايين في الميادين، مؤكدا أن ما حدث في مصر ليس انقلابا عسكريا مثلما حاولت أن تقنعنا به شبكة “سي أن أن”، فملايين المسلمين المعتدلين والمسيحيين في مصر خرجوا لرفض التطرف وحكم جماعة الإخوان التي تدعمها إدارة أوباما .. وقال جهمورت “إن المصريين ممتنون للجيش الذي تدخل استجابة للعدد الهائل الذي ثار على مرسي، وهو عدد يتضاءل أمامه الرقم الهزيل الذي انتخب هذا الديكتاتور” .. وعرض النائب الأميركي لوحات رفعها المصريون تحمل سبابا لأوباما لدعمه جماعة الإخوان!!
قال النائب الجمهوري “كنا نعتقد أن لدينا رئيسا ذكيا لكنه تحالف مع المعسكر الخاطئ .. المصريون للأسف يضربون صوره بالأحذية” .. وهاجم “جهمورت” سلوك إدارة أوباما تجاه مصر بداية من دعم الإخوان وصولا إلى موقف واشنطن المتراجع تجاه ثورة الـ30 من يونيو .. وتهكم النائب الجمهوري على حكومة بلاده التي فشلت رغم إمكاناتها وأجهزتها في أن تدرك حجم رفض المصريين للإخوان، وقال “المصريون مثل شعب أفغانستان الذي يصرخ: نحن مسلمون، ولكننا لا نريد حكومة طالبان، فلا تتخلوا عنا وتتركونا لهم, لكن للأسف إدارة أوباما اتخذت قرارات خاطئة كانت لها عواقب وخيمة في مصر وليبيا وسوريا!
ورغم سقوط نظام حكم الإخوان في مصر إلا أن الإدارة الأميركية لا تزال تسعى جاهدة للوقوف بجانب جماعة الإخوان ومؤازرتها، فتجدها تطالب بإطلاق سراح الرئيس المعزول محمد مرسي والإفراج عن المعتقلين من قيادات الجماعة، وعدم إقصاء جماعة الإخوان من المشهد السياسي، وهي نفس المطالب التي تطالب بها دول الاتحاد الأوروبي التي لا تزال تدور في فلك واشنطن.
سامي حامد كاتب وصحفي مصري
Samyhamed65@yahoo.com