عروبة الإخباري- “في 27 تشرين الأول/أكتوبر، خاطب بروس هوفمان وماثيو ليفيت منتدى سياسي في معهد واشنطن، كجزء من «سلسلة محاضرات ستاين حول مكافحة الإرهاب». وهوفمان يدير “مركز الدراسات الأمنية” في جامعة جورج تاون، وخدم سابقاً في “اللجنة المستقلة لمراجعة استجابة «مكتب التحقيقات الفدرالي» لمكافحة الإرهاب والتطرف في مرحلة ما بعد 11/9”. وليفيت هو زميل “فرومر- ويكسلر”، ومدير برنامج “ستاين” للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المعهد، ونائب مساعد وزير لشؤون الاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة سابقاً. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما”.
بروس هوفمان
لا يترك المساران المستقبليان لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» سبباً للتفاؤل، ولا حتّى النماذج الشائبة التي تمّ قبولها على نطاق واسع حول الجماعتَين في السنوات الأخيرة. فقبل خمس سنوات، جادل الكثيرون أنّ تنظيم «القاعدة» كان على شفير الانهيار الاستراتيجي؛ فقائده المؤسّس قد توفّي، في حين تمت تصفية سلسة من المساعدين الرئيسيين، وكان “الربيع العربي” مهيّأ ظاهرياً لإحداث التغييرات التي وعد بها الإرهابيون منذ سنوات. ومع ذلك، عندما شهد “مدير الاستخبارات القومية” في الولايات المتحدة جيمس كلابر أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في شباط/ فبراير المنصرم، رسم صورة قاتمة حول تنظيم «القاعدة» المنبعث من جديد و”المتمركز بشكلٍ يحقق مكاسب في عام 2016″. وبالمثل، كان تنظيم «داعش» قادراً على شن هجمات دولية كبرى في العام الماضي بالرغم من الاعتقاد السائد بشكل واسع بأنّه ليس مهتمّاً بالعمليّات الإرهابية العالمية. وتثير هذه الحسابات الخاطئة، والأخرى السابقة، القلق بأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها لا يفهمون بكل بساطة نبض تنظيم «داعش» أو ديناميكيات العالم الجهادي الأوسع.
لو كان أسامة بن لادن حيّاً اليوم، لكان سعيداً. فقد كان واثقاً من أنّ موته سيُنتج آلاف الأتباع، وفي ظل ظاهرة المحاربين الأجانب العالمية المستمرّة، تحقّق تهديده هذا. كما دعا أتباعه إلى تنفيذ هجمات في أنحاء أوروبا، وقد حقّق تنظيم «داعش» هذا الحلم. إنّ عملية تجديد العلامة السياسية التي كَتب عنها ستحصل أيضاً؛ فالجماعات التابعة لـ تنظيم «القاعدة» في سوريا وأماكن أخرى قد اعتمدت أسماء مختلفة وغالباً ما يتمّ وصفها بالبدائل الأكثر قبولاً لمتطرّفين آخرين.
وبالفعل، فقد اعتمد تنظيم «داعش» الاستراتيجية الشاملة التي وضعها نائب رئيسي لبن لادن في عام 2005. وقد قُسّمت هذه الاستراتيجية إلى سبع مراحل كاملة مع إطار زمني، وحصلت الخطوات القليلة الأولى في موعدها – فعلى سبيل المثال، دعت المرحلة الخامسة إلى تأسيس “الخلافة” وكان من المتوقع إتمامها بين عامَيْ 2014 و2016. وعلى الرغم من أنّ هذه المرحلة قد شارفت على نهايتها مع زوال نواة تنظيم «داعش»، فحتّى التحقيق الجزئي لاستراتيجية بن لادن يروّج لسردية تنظيم «القاعدة» حول صراع إلهي مقدّر ينتهي بنصر محتوم. وسيبقى الخطر محدقاً بسقوط الخلافة مع محاولة الآلاف من مقاتلي تنظيم «داعش» العودة إلى ديارهم.
لقد كان تنظيم «القاعدة» ينتظر قيام تنظيم داعش بالكثير من أعماله – أي تعميق الانشقاقات في الشرق الأوسط والغرب – إلى أن تحين ساعة النهوض من جديد. وقد أصبحت هذه الاستراتيجية واضحة في العام الماضي عندما تمّ اكتشاف مخزون أسلحة كبير تابع لـ تنظيم «القاعدة» في أفغانستان ينافس ترسانة بن لادن ما قبل عام 2001. وكانت الحكمة السائدة في ما مضى أنّ الانشقاق الدموي بين تنظيمي «داعش» و «القاعدة» قد يعني نهاية الجماعتَين، لكن في الواقع، وعلى العكس من ذلك، نتج عن منافستهما عنف وفوضى أكبر فيما سعى تنظيم «داعش» إلى وضع اليد على الدرع من سلفه. وإذا سقطت نواة تنظيم «داعش»، من المرجح أنّ تلجأ الجماعة إلى قدراتها الإرهابية الدولية وربّما ستزيد من جهودها الرامية إلى التفوق على تنظيم «القاعدة» في هذا المجال. ويبقى توحيد الجماعتَين احتمالاً ممكناً أيضاً نظراً لاختلافاتهما الإيديولوجية القليلة نسبياً ومبادراتهما التصالحية وراء الكواليس، فانقساماتهما الحالية متجذّرة في اصطدام من الغرور أكثر من أي شيء آخر. لذا فإنّ سقوط تنظيم «داعش» قد يدفع القادة الكبار إلى العودة إلى تنظيم «القاعدة» أو، في حال فشل ذلك، يجعل من الجماعة الضعيفة عرضة لسيطرة الخصم.
إنّ الإرهاب هو حرب استنزاف، والغرب يخسر فيها. فالمجتمعات الغربية مليئة بالأوهام حول الصراع الذي يبدو أنّه لن ينتهي، مما يغذّي التصدعات السياسية وكراهية الأجانب. ويستعد الإرهابيون للاستفادة من مثل هذه الانقسامات، وتنمو قدراتهم بوتيرة أسرع من قدرة تدريب قوّات الأمن الحكومية. ولمحاربة هذا التهديد، على واشنطن وحلفائها استهداف فروع تنظيمي «القاعدة» و «داعش» التي تمكّن الجماعات “النواة” من السيطرة على السكّان والموارد المحلّية، في حين تمنع أيضاً إنشاء فروع جديدة.
ماثيو ليفيت
واجه الغرب خطراً إرهابياً دولياً متنامياً قبل بروز تنظيم «داعش»، لذلك لن يشكّل سقوط الجماعة الدواء الشافي؛ فعلى الأرجح أنّ بن لادن الغد هو مراهق يعيش اليوم في العراق أو سوريا. إن التأخّر في التطرق إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» قد ساهم إلى حدّ كبير في إنشاء وتوسيع الخلافة، وبعد تفكّكها، ستقوم عناصر تنظيم «داعش» بإعادة تنظيم أنفسها وسيعمل أفرادها كمتمرّدين في الأنبار وديالى ومناطق أخرى رئيسية. بالإضافة إلى ذلك، قد تتوجّه بعض العناصر إلى “محافظات” الجماعة، غير أنّ مرونة هذه الفروع قد تختلف من بلد إلى آخر.
والأهم من ذلك، طالما بقيت سوريا جرحاً مفتوحاً، تستطيع الجماعة البقاء هناك واستخدام الصراع كأداة للتجنيد. فقبل بروز تنظيم «داعش»، كان الأجانب يسافرون بالفعل إلى سوريا للدفاع عن نظرائهم السنّة ضدّ فظائع نظام الأسد. ومع استمرار العنف، انضمّ المزيد من المقاتلين إلى فروع تنظيم «القاعدة» الأكثر ثراءً والأفضل تجهيزاً وتعرضوا في ظلها إلى الإيديولوجيات المتطرّفة. ولم يؤدي تأسيس خلافة تنظيم «داعش» سوى إلى تفاقم المشكلة لأنّ الجماعة عرضت على المقاتلين الفرصة لأن يلعبوا دوراً في عمل تاريخي – وهذه السردية مكّنت العديد من الأفراد المحرومين من التحوّل “من لا شيء إلى أبطال”. ولا يمكن أن يكون ذلك أكثر وضوحاً من المكالمة الهاتفية التي تم اعتراضها من قبل الشرطة البلجيكية بعد هجمات باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2015. إذ سأل المتّصل، وهو محارب بلجيكي في سوريا، ماذا يقول أهل منطقة مولينبيك في بروكسل عن صديقه بلال حدفي، أحد الانتحاريين في باريس: “هل يمدحونه؟ هل يقولون إنّه كان أسداً؟” وهكذا، في حين ستتبدّد بعض عناصر “الدفع” الجهادية المتطرّفة بغياب خلافة مثالية، إلا أن العديد من هذه العناصر ستبقى قائمة.
أمّا بالنسبة إلى محافظات تنظيم «داعش » الثماني المعترف بها، فقد تواجه صعوبات في مرحلة ما بعد الخلافة. وفي هذا الصدد، أسفر مؤتمر معهد واشنطن الأخير حول هذا الموضوع إلى [التوصل إلى] ثلاثة استنتاجات رئيسية (ستتم مناقشتها مطولاً في خلاصة وافية تُنشر قريباً بتحرير كاثرين باور). أوّلاً، لا يتم إنشاء المحافظات سواسية، فقد شنّ بعضها هجمات ناجحة على مصالح غربية، في حين لم يكن البعض الآخر موجوداً سوى على الورق (على سبيل المثال، في شبه الجزيرة العربية)؛ ويعمل البعض أيضاً في مناطق غير محكومة، في حين تقع أخرى تحت ضغط قوّات أمن الدولة. ثانياً، قد تكون القيمة الرمزية لتأسيس فروع عالمية أكثر أهميّة من نجاحها الفعلي. ثالثاً، تعتمد قوّة بقاء بعض المحافظات على الموارد الآتية من النواة.
وتعقيباً على النقطة الأخيرة، إنّ خلافة على شفير الانهيار، من الواضح أن تواجه صعوبة أكبر في توجيه الموارد إلى أطرافها. وقد أعلنت بعض الجماعات عن ولائها لـ تنظيم «داعش » استناداً إلى ترقّبها الحصول على ثروات وخبرة من النواة، ويبقى السؤال من دون إجابة حول ما الذي سيحصل إذا توقّف تدفّق هذه الموارد. إنّ الجماعات الموجودة أصلاً والتي أعادت تسمية نفسها بمحافظات تنظيم «داعش» مثل تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» قد تنضمّ ثانية لجماعاتها السابقة، كما يتضح من الانقسامات العلنية داخل فرع تنظيم «داعش » في اليمن.
من جهّته، نما تنظيم «القاعدة» وتغيّر ولم يعد منظّماً بهيكلية تنازلية صارمة. وتبقى علاقته مع تنظيم «داعش » متوترة، ولكن علاقاته التكتيكية مستمرة.
وعلى نطاق أوسع، إنّ التطرّف الإسلامي في أوجهه، ولن تنحصر العديد من العوامل التي تحفّزه مع سقوط تنظيم «الدولة الإسلامية». وتواجه المنطقة تشفيراً متطوّراً على شبكة الإنترنت، وبروز دول فاشلة وضعيفة في أعقاب “الربيع العربي”، وحِملاً ثقيلاً من الطائفية. وبالتالي، زادت احتمالات هجمات “الذئب الوحيد” في المنطقة وخارجها. ووفقاً لوزير الأمن الداخلي الأمريكي جيه جونسون، نعيش اليوم في عالم حيث “يُمارَس الإرهاب على يد الذين يعيشون بيننا في الوطن ويصبحون متطرّفين بأنفسهم، مستلهمين من الدعاية الإرهابية على شبكة الإنترنت”.
بيد، إنّ تشخيص هذه الأعمال بهجمات “الذئب الوحيد” غالباً ما يكون ناقصاً لأنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» يدعو صراحة إلى القيام بمثل هذه الأعمال، وقد كان لهذه الدعوات تأثير كبير. ففي الولايات المتحدة، هناك حالياً حوالي 1000 قضية تحقيق مفتوحة حول متطرّفين محليين محتملين في جميع الولايات الخمسين، مما يُعدّ زيادة كبيرة مقارنة مع السنوات القليلة الماضية. كما أنّ مصطلح “الذئب الوحيد” هو تسمية خاطئة أيضاً لأنّ الأدلّة تشير إلى أنّ هؤلاء الأفراد هم في غالبية الأحيان “ذئاب معروفون”، إذ يلاحظ تطرّفهم عادة من قبل المحيطين بهم. وتنظر السلطات الأمريكية بشكل متزايد إلى المتطرّفين المحليين وفق طيف يشمل من جهة من يؤدي دوراً في هجمات موجّهة بشكل صريح، ومن جهة أخرى اللاعبون الوحيدون/ الذين يتوجهون بأنفسهم نحو التطرف. ونادرة هي الحالات التي تكون على جهة واحدة من الطيف.
من هذا المنطلق، لن يعني النصر في الموصل وسقوط تنظيم «داعش » في العراق الفوز بالحرب. فقد تفاقمت الشكاوى السياسية والأمنية في المنطقة. وفي تقرير “غلوبل ترندز 2030″، تحدّث مدير الاستخبارات القومية الأمريكي عن “اختلال توازن مُحدق” في المنطقة، حتى قبل ظهور تنظيم «داعش » واندلاع الأزمة السورية. لقد تحقق عدد من أسوء السيناريوهات المذكورة في ذلك التقرير، بوجود جروح مفتوحة في سوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول، الأمر الذي يمهّد الطريق لمشاكل خطيرة على المدى الطويل. (معهد واشنطن)