عروبة الإخباري – عاينت المسرحية البحرينية “المزبلة الفضلى” للمخرج عبدالله البكري، ظواهر الطبقية وغياب القيم الفضلى والعمق لدى شرائح عديدة من الناس.
العرض المسرحي الذي اقيم مساء امس الاثنين في فضاء مديرية الفنون والمسرح ضمن فعاليات مهرجان عشيات طقوس المسرحية تحدث عن خمس شخصيات تتخذ من مزبلة مسكنا لها ومكانا للحب والاحلام ومثلت نماذج لحالات انسانية هجرت المجتمع نتيجة تعرضهم الى صدمات اثر غياب قيم ايجابية واخلاقية لدى الاخر، في الوقت الذي يخشون فيه شخصية الزبال المنافس لهم على نفايات الاغنياء يأتي يوميا مع عربة النفايات باحثا عن ما يستصلحه لاهل بيته مما يلقيه اهل الحي البرجوزاي الذي تتواجد فيه المزبلة.
المسرحية التي إتكأت على ما بعد الدراما واقتربت من “الاتشركية” “مسرحة الظاهرة الاجتماعية” و”الواقعية”، نهضت على الاداء التمثيلي سلطت الضوء على ست حكايات اندمجت في هم واحد نتيجة معاناة الظلم والقهر من الاخر، حيث احداها حكاية ممثل مسرحي مثالي اكتشف ان الفن الذي يقدم على خشبات المسرح انصرف الى التهريج عوضا عن طرح قضايا فكرية تمس المجتمع وتنهض به، وثانيها لصحفي اضطر تحت وطئة العوز المادي لمعالجة والدته ان يبيع افكاره لرئيس تحريره، ففقد والدته وعمله وانصرف الى شرب الخمرة وثالثها تسرد حكاية مثقف افلس وتعرض للاهانة من اجل ان يصدر كتبه الفكرية التي اعرضت عنها دور النشر مرجحة عليها كتب سطحية، وهو ذاته كان يحرمه والده المتطرف دينيا من مصروفه ليمنعه عن شراء الكتب الثقافية والفكرية ويدفعه تجاه الغلو في الدين.
اما رابعهم، تاجر عشق امرأة واخلص لها ليتزوجها فاستولت على املاكه وطردته الى الشارع فتعرض الى “فالج” في يده انعكست عليه عاهة دائمة واصبح يكره النساء ومارس استراق السمع على حديثي الزواج من اهل الحي المجاور للمزبلة ، والخامس هو “بهلول” المجموعة الشاب الذي تحبه الفتيات على الرغم من سذاجته، بالاضافة الى الزبال الذي يعاني الفقر ويعيش في حي فقير محروم اهله من الحد الادنى من متطلبات الحياة الكريمة ويجاور بنايات فارهة سكانها من الاثرياء الذين يلقون بنفاياتهم الفارهة لينتظرها الفقراء على جمر الصبر، علاوة على حكاية الحب الغائب بين الطبيب احد سكان الحي البرجوازي الذي تخلت عنه حبيبته والمتزوج من إمرأة طلقها زوجها وتداعيات مفارقات حياتهم اليومية.
العرض المسرحي الذي يستقبل جمهوره بقطع من الاقمشة المتناثرة في الممر المؤدي الى ساحة المديرية حيث العرض، نجح فيه المخرج بالاستعاضة عن المؤثر الصوتي التسجيلي بتوظيف قدرات الممثلين الصوتية في ادائهم للاهزوجات الشعبية بتساوق مع المشاهد، وتوظيف قدراتهم في الاداء التمثيلي والحركي في خلق تكوينات بصرية، حافظت على “الميزانسين” لاسيما في الحيز المخصص للاداء المسرحي ويعج باشكال مختلفة من قطع الديكور والاكسسوارات التي عبرت عن النفايات من عربة وبراميل ودلالي واقمشة متناثرة وغيرها استخدمته الشخصيات في اطار ديكور لمستقرها في المزبلة بوصفه بيتهم الدائم ومنها خزانة كتب ومرآة وساعة مكسورة ومنضدة.
الاداء التمثيلي والحركي لاسيما تبادل الادوار بين الممثلين حين تجسيد الحكايات، جاء منسجما في الوقت الذي عبر النص المنطوق الذي جاء بالفصحى عن محمولات عديدة ذات ابعاد اجتماعية واخرى سياسية مرمزة، ومنها عبارتا “من خلال ما تحويه هذه البراميل من نفايات ترى صورة عالم الاثرياء المخملي” و”هناك خارج المزبلة المال هوية ومن لا مال له لا هوية له”، في الوقت الذي عبر النص غير المنطوق من خلال الاهازيج عن حجم الالم الذي تعانيه هذه الشخصيات.
ويختتم العرض بان تخلي، طواعية، الشخصيات الخمس التي كانت تتبرع بفائض النفايات الى حي الفقراء، “المزبلة” ومقتنياتهم الى الزبال لينعم هو اسرته بما القاه الاثرياء، مجسدين معاني الايثار وقيم الحب والتكافل في صرخة صامتة في وجه المفاهيم الاستهلاكية والطبقية التي تعمل على تشييء الانسان.
وشارك في التمثيل عبدالرحمن فقيهي ومحمد السعدون ومهدي القصاب وعبدالله سويد وعادل شمس وفهد الزري.