في لقائه مع جريدة الدستور، أكد جلالة الملك عبد الله الثاني على نقاط كثيرة بالغة الأهمية، لعل من أبرزها ،إضافة إلى الإنتخابات، المسألة الاقتصادية والشباب. وقال : “ إن إدارة الاقتصاد الأردني تتطلب جهداً استثنائياً، وسرعة ومرونة في العمل على عدة أصعدة ،حتى نتمكن من استعادة معدلات النمو والنهوض بالاقتصاد … مما يتطلب تحقيق أفضل مستويات من الشراكة والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني “. كذلك فلا بد من “التركيز على جذب الاستثمارات التي ستوفر فرص العمل، خاصة للشباب لتمكينهم من شق طريقهم وصناعة مستقبلهم “ . ومن الجانب العملي فإن التحدي الحقيقي أمام الحكومة هو: كيف تستطيع أن تقوم بإدارة سريعة للاقتصاد تتسم بالمرونة، وما هي الآليات التي ستلجأ اليها ؟ وما هي الوسائل الجديدة الفعالة للتعاون مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني؟ حيث يسود اعتقاد لدى “أطراف الشراكة” ان ما تتحدث عنه الحكومات من شراكة ما هو الا “ كلام و لغايات إعلامية و تجميلية، وعند التنفيذ تنفرد الحكومة بالقرارات كما تريد” .و الأهم من كل ذلك: ماذا ترك خطاب الملك من اثر لدى عقول و همم و نفسيات و التزامات الجهاز الوظيفي للدولة ؟هل هناك شعور لدى الموظف العادي بحرج الحالة الإقتصادية الإجتماعية؟ و بحساسية الموقف ،و بإلحاحية التغيير باتجاه السرعة و المرونة؟ ففي ماليزيا مثلا ذهب مهاتير محمد إلى الموظفين في جولات عديدة يخاطبهم و يقنعهم بالتوجهات الجديدة و على رأسها اجتذاب المستثمرين و تخفيض حجم البطالة. فهل سيتحقق ما يشبه ذلك لدينا ؟ و هل ستصدر كل وزارة و مؤسسة توجيهات واضحة و ملزمة لموظفيها بما ينبغي القيام به للتجاوب مع دعوة الملك و تطلعاته؟
وحتى تصبح كلمات الملك خطوة جريئة وواسعة على طريق صنع المستقبل ،يمكن ايراد الملاحظات التالية : أولاً:إن تجارب الدول التي نهضت و نجحت في الخروج من أزماتها، تبين أن أحد الأعمدة الرئيسة للنجاح تمثل في الاستعانة بخبراء وعلماء ومستشارين مفكرين لمساعدة الوزارات والمؤسسات في التحليل والدراسة و التقييم وتطوير الآليات والبدائل و إبداع ألأفكار و المشاريع خارج النمط الاداري التقليدي. ثانياً: إن بداية تفعيل الإقتصاد و تحريكه بسرعة أكبر ،و زيادة معدلات النمو، يتطلب قبل كل شيء إزالة العقبات التي تعترض السرعة و المرونة حسب ما يراه الخبراء و الممارسون من القطاع الخاص و منظمات المجتمع المدني . وهنا تقوم كل وزارة ومؤسسة رسمية بتحديد عشرة مسائل رئيسية ينبغي التعامل معها. خمس منها مشكلات وعقبات لا بد من حلها ،وخمس أخرى تشكل إضافة جديدة لتحريك القطاع ذي العلاقة إلى الأمام . ثالثاً: ضرورة تحديد الشركاء في كل مسألة ،وكيف يمكن ضبط هذه الشراكة والعمل بها فوراً، و قناعة الموظف العام بدوره في الحل، وما هي قواعد العمل واخلاقياته في إطار من الشفافية و النزاهة. رابعاً: إن الخطوة الأولى لجذب المستثمرين الجدد تتمثل في حل مشكلات المستثمرين الحاليين سواء كانت شركات خدمات أو صناعة أو زراعة أو سياحة وغيرها من المشاريع، وخاصة تلك المتعثرة مالياً أو إدارياً أو تكنولوجيا . وكنا قد اقترحنا انشاء هيئة متخصصة مؤقتة هي “هيئة التسويات” و “منظومة المراكز التكنولوجية في المحافظات” لهذه الغاية. وبدون ذلك ستبقى حالة التراجع قائمة . خامساً: إن المشاريع الخدمية الكبرى هي هامة للاقتصاد الوطني بدون جدال، غير أن فرص العمل المتولدة عن بعضها ربما تكون ضئيلة.و هنا يمكن للخبراء تحديد و دراسة مجموعات من الصناعات “القبلية” و”البعدية” لخدمة هذه المشاريع أو التوسع فيها، و بذا تتسع دائرة فرص العمل الجيدة، و يزداد الإقتصاد فاعلية.
سادساً: هنا تبرز أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي ينبغي التشجيع على دخولها وتمويلها وتأهيل أصحابها . غير أن هذه المشاريع لا تستطيع تحقيق النجاح الا إذا كانت ضمن مسار و منظور استراتيجي واضح للدولة . أما المشاريع العشوائية التي ينتقيها الأفراد هكذا ، فغالباً ما تصطدم بالمنافسة غير العادلة، فتفشل أو تتحول إلى خدمات ذات قيمة مضافة ضئيلة . سابعاً : ان تخفيض البطالة لدى الشباب ،والتي تزيد عن 30% للذكور بينما تصل إلى 49% للإناث، لا يمكن أن تتم بالتوظيف لدى الآخرفقط، وانما من خلال انشاء المشاريع الريادية الشخصية .وهذا يتطلب التوفيرالمبرمج للمهارات الريادية لدى الشباب. ثامنا : إن تحول الشباب من “ انتظار الوظيفة “ “ وانتظار الفرصة “ إلى “صناعة الوظيفة “ وخلق الفرصة “ يتطلب تأصيل ثقافة الريادية في المجتمع وفي الإعلام و الثقافة المجتمعية. وهذا لا يتحقق الا إذا دخلت “ الريادية “ وأساسيات الاقتصاد “ في مناهج التربية والتعليم و النشاطات اللامنهجية،ابتداء من المدرسة وانتهاء بالجامعة . فالشاب أو الشابة الذي لم يتعلم طوال 12 أو 16 عاما من دراسته شيئاً عن المشاريع والمال والإدارة والأبداع والانتاج والتمويل والمخاطرة ، من الصعب له و لها أن يبدأ مشروعاً مستقلاً يتحول مستقبلاً إلى مشروع كبير اذا لم يكتسب المهارات اللازمة في الوقت المناسب . بطبيعة الحال هناك استثناءات، ولكن بناء الدولة وإعادة الحيوية للاقتصاد و تفعيله ، وتحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد انتاجي صناعي لا يبنى على الاستثناءات.
أن إعداد الشباب للمستقبل من خلال تمكينهم المبرمج طويل الأمد بالمهارات الريادية، ليكونوا إضافة إلى الاقتصاد وليس عبئا ،عليه يتطلب من الدولة إعادة تنظيم العمل مع الشركاء و الموظفين و الشباب فذلك مدخل المرونة و التفعيل.
تفعيل الإقتصاد …. وتمكين الشباب/د.ابراهيم بدران
18
المقالة السابقة