إن صحت دقة الحديث عن وجود طفل سوري يستدعي وضعه الصحي تدخلا جراحياً عاجلاً، في مخيم الركبان القريب من الحدود الأردنية المغلقة منذ العملية الإرهابية هناك، والتي ذهب ضحيتها 7 شهداء من جيشنا الأردني، فإن الواجب يقتضي إدخال هذا الطفل.
عقب ذلك، على الأردن توجيه رسالة قاسية للمجتمع الدولي وناشطيه الذين يزاودون على الأردن، مع أنه فتح داره للإخوة السوريين، فبات يؤوي الآن نحو 1.2 مليون سوري يعيشون بيننا. إذ على المسؤولين القول لكل الدول المشاركة في الحرب السورية، أنْ قوموا بدوركم الإنساني والأخلاقي تجاه مثل هذه الحالات، ولا تتركوا الأردن وحيدا في تحمل الكلف!
حول قضية الطفل الموجعة، وبصراحة، فإنه ليس هناك ما يثبت كل ما تداوله الناشطون بشأن الفيديو الخاص بالقضية. وكل المصادر الرسمية أكدت أنه لم يُطلب من الأردن إدخاله. آخر التصريحات جاءت على لسان مصدر عسكري في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، والذي نفى بشكل قاطع ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، من “أنّ قوات حرس الحدود منعت إدخال طفل من مخيم الركبان إلى الأردن لغايات العلاج”.
المصدر العسكري أضاف أنه “لم يُطلب من قوات حرس الحدود معالجة أي حالة”، وأنّ “كل ما يشاع عن منع الطفل من الدخول هو عار عن الصحة. علاوة على أنّه لم يتم التأكد من أنّ الصور تعود إلى طفل في مخيم الركبان أم لا، لأنه ليس هناك ما يشير إلى ذلك” كما أن المنظمات الدولية لم تؤكدْ أو تنفِ صحة الفيديو بحسب ما قالت لـ” الغد”.
أكثر من ذلك، فإن الجيش العربي، ممثلا بحرس الحدود، سمح بإدخال عشرين حالة إنسانية خلال الأسبوعين الماضيين، فلِمَ سيمنع طفلا بريئاً من الدخول؟! كيف سيؤثر هذا الطفل على الأردن بحيث يُمنع من الدخول؟!
الجدل الحاصل على مواقع التواصل الاجتماعي فيه كثير من الظلم للأردن الذي قدّم الكثير للسوريين. لكن النقاش من كلا الطرفين أيضا جانب الحقيقة. فكثير ممن تبنوا (هاشتاغ) “#أدخلوا-الطفل”، كالوا للأردن صفات غير مقبولة، ومسحوا كل ما قدمه من دون أدنى تقدير. أما الفريق الآخر المقابل، والذي تبنى (هاشتاغ) “#الأردن-ما- قصر”، فكال بدوره الاتهامات لأهلنا السوريين، في ابتعاد عن جانب إنساني أخلاقي عروبي يحكم علاقاتنا.
مرة أخرى، إدخال الطفل إن ثبتت صحة القصة، واجب. تماماً كما أن تقدير دور الأردن هو أمر أخلاقي. والأهم من تبادل الاتهامات، أن يساهم المغردون أنفسهم في تنظيم حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو الدول العربية والأجنبية التي لم تستقبل لاجئا واحدا، إلى القيام بواجبها الأخلاقي حيال المهجّرين في الركبان وسواها.
كما على المنظمات الدولية، من قبيل “برنامج الغذاء العالمي” و”اليونيسف”، لعب دور أكبر في التخفيف من أوجاع نازحي الركبان الذين يعيشون ظروفاً لاإنسانية فعلاً؛ بأن توجه هذه المنظمات رسائل للأطراف الفاعلة في الملف السوري، بحيث يتشارك الجميع مسؤولية التخفيف عنهم. إذ إن معاناتهم مستمرة في ظل إعادة تأكيد الأردن على أن الحدود ستبقى منطقة عسكرية مغلقة، لن يسمح لأي كان بالاقتراب منها من دون تنسيق مسبق. ما يعني ضرورة البحث عن حلول مع أطراف أخرى، بالشراكة مع الأردن.
تبقى الإشارة إلى ما يمكن اعتباره الأخطر أردنيا في قصة “طفل الركبان”، وهو أن كل الجدل حدث ولم تخرج الرواية الرسمية لتوضح حقيقة الأمر، حتى بادرنا في “الغد” للحديث مع الجهات المعنية لاستجلاء المسألة. علماً أن مدى القصة اتسع إلى حدود عربية وعالمية خلال الـ72 ساعة الماضية، وبما ترك الباب مفتوحا للهجوم على الأردن بغير وجه حق، باعتباره مقصرا بحق الإخوة السوريين، حتى جاء بيان الجيش أخيرا.
بالفعل، الأردن ما قصّر مع الأشقاء السوريين. وكما أن الاستجابة للحالات الإنسانية مسألة لا يجوز التخلي عنها، كذلك يجب أن يكون الحرص الشديد على أن لا تُستغل أداة من قبل البعض للضغط على الأردن، ومن ثمّ توجيه ضربات جديدة من الإرهابيين لجيشنا؛ ونحن لم ننسَ ولو بعض الوجع بشهدائنا في الركبان.