لأكثر من سبب، تواصل الفجوة الجندرية؛ بين النساء والرجال، الازدياد في الأردن، بحيث نسجل تراجعاً مقارنة مع سنوات سابقة. إذ أظهرت أرقام نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي بشأن هذا المؤشر، أن أداء الأردن كان في العام 2014 أفضل مما عليه الحال في العام التالي. فقد حلت المملكة يومها في المرتبة 134 بين 142 دولة شملها مؤشر الفجوة الجندرية العالمي؛ فيما تُظهر بيانات العام 2015 تراجعنا إلى المركز 140 على سلم يشمل 145 دولة. وهو ما يعني، أيضاً، أن المملكة، وللأسف، تأتي في ذيل القائمة العالمية، ضمن أقل الدول فيما يتعلق بردم الفجوة بين النساء والرجال وتحقيق العدالة بين الجنسين، بحسب مؤشرات فرعية تتضمن المشاركة الاقتصادية والتمكين السياسي والرعاية الصحية والتحصيل العلمي.
طبعاً، الحالة تختلف من مؤشر فرعي لآخر. فمثلا، حقق الأردن مرتبة ممتازة في العام 2015 في مجالات مثل التعليم والصحة. إذ تقع المملكة، على صعيد التعليم، في المرتبة الأولى عالميا على مؤشري الالتحاق بكل من التعليم الثانوي والتعليم الجامعي. وبشكل أوضح، فإنه مقابل كل 100 رجل يلتحقون بالتعليم الثانوي أو الجامعي، هناك 100 امرأة تحظى بالأمر ذاته.
وهذا المنجز مهم حتماً، لأن تساوي الفرص بين الرجل والمرأة في الحصول على التعليم، يعكس وعيا مجتمعيا بأهمية هذه المسألة، وتقديرا لتعليم كلا الجنسين.
في القطاع الصحي أيضا، تبدو العدالة مصانة. يؤشر على ذلك العمر المتوقع عند الولادة، والذي تتفوق فيه النساء على الرجال، بحيث يمكن القول إن هذا يشي باهتمام بالمرأة أكثر من الرجل؛ وفي ذلك جانب إيجابي مهم يلزم عدم إغفاله.
لكن ما بين الخدمات المقدمة للنساء وبين البيئة الحاضنة لهن، تظهر الفجوة الكبيرة، في انعكاس للعقلية التي تحكم الأمور وتديرها، بما يتجاوز كثيراً توفير خدمات عادلة للإناث والذكور.
هكذا تتضح -أو للدقة تُفتضح- العيوب والفجوات في الجوانب السياسية والاقتصادية. إذ يبقى قاصراً تمكين النساء سياسيا. ولم تفلح هنا حتى “الكوتا النسائية” في مجالس منتخبة، والتي طبقت منذ نحو عقدين، في تغيير الصورة النمطية للمرأة، وبالتالي تحقيق حضور أعلى لها في العمل البرلماني خصوصاً. كما ما تزال مشاركة النساء في الحكومات مسألة نسبية تقديرية، تختلف من رئيس لآخر، رغم أن تاريخنا المعاصر يشهد على تسلم سيدات وزارات مهمة، أدرنها غالباً بكفاءة، في مقابل قلة قصّرن وأخفقن.
فالأرقام وفقا لتقرير “الفجوة الجندرية العالمي”، تقول إنه مقابل كل 100 رجل في البرلمان، هناك 14 امرأة فقط؛ كما أنه مقابل كل 100 رجل تسنموا مناصب وزارية، هناك 13 امرأة فحسب.
أما الكارثة الأكبر أردنياً، فتتجسد في المشاركة الاقتصادية للمرأة؛ يكفي دليلاً على ذلك أن جميع الدول العربية من دون استثناء تتفوق علينا. ومن ثم، جاء الأردن في المرتبة 142 من أصل 145 دولة. ولتكون المحصلة وضعا مخجلا جدا ومحبطا! فلماذا تتلقى النساء كل هذا التعليم؟! ليقعدن عاجزات عن الإنتاج؟!
والتمييز لا يقتصر على نيل المرأة فرصة عمل من عدمه، بل يمتد ليطال الأجور مقارنة بالرجال، بشكل يهوي بهذا التمييز إلى مستوى الإجحاف والظلم الشديد. وبحسب أرقام المنتدى الاقتصادي العالمي، فإنه مقابل كل 100 دينار يحصل عليها الرجل، تجني المرأة مبلغ 18 دينارا فقط! وهو تعطيل للمرأة الأردنية يؤدي إلى خسارة الاقتصاد الوطني ككل قيمة تقترب من 11 مليار دينار سنويا بحسب التقرير. وليكون الجميع خاسرا من التقصير حيال زيادة مشاركة المرأة الاقتصادية.
تراجع أحوال النساء الأردنيات لا ينفصل أبدا عن تراجع الحالة العامة. لكن أوضاعهن تظهر بشكل أكبر بسبب ما يعانين أصلا. لتكون النتيجة أن ما يحدث للأردنيات عموماً مخجل بحق، لأن أحوالهن تمضي من سيئ إلى أسوأ.