عروبة الإخباري- لا تزال تداعيات زيارة اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي إلى إسرائيل، ولقاءه مدير وزارة الخارجية الإسرائيلي، دوري غولد، مصنّفة ضمن سياق “تطبيع سعودي مع إسرائيل”، حتى وإن كانت الزيارة غير رسمية، وفقاً لعشقي، أو تمّت بمبادرته الشخصية وبمبادرة مركز “المعهد السعودي للدراسات الاستراتيجية” الذي يديره. فالتصريحات التي صدرت عن عشقي بعد افتضاح أمر الزيارة، ومحاولة التغطية على لقائه غولد من خلال إبراز لقاءاته مع القيادات الفلسطينية في رام الله، لا تتوافق مع ما كانت نشرته صحيفة “هآرتس” عندما كشفت أمر الزيارة، معتبرة أن “أهم ما فيها، عدا عن مجرد القيام بها، هو أنها تضمنت لقاءً بين عشقي وغولد، العامل بوزارة يتولى حقيبتها رسمياً رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو”.
وفي مقابل تصريحات عشقي، التي حاول الادّعاء فيها أنه لم يزر إسرائيل، بل زار رام الله والأراضي الفلسطينية، اعترف اللواء المتقاعد في مقابلة مع الإذاعة العسكرية الإسرائيلية، يوم الأحد، بأنه “زار القدس المحتلة العام الماضي، وأمّ المصلين في المسجد الأقصى”، لكنه قال إن “الوقت لم يحن بعد لزيارة المناطق الإسرائيلية (الداخل الفلسطيني المحتل)”. واتضح من خلال المقابلة التي أجرتها معه الإذاعة العسكرية الإسرائيلية، أن هناك محاولة إسرائيلية واضحة، للتقليل من أثر الزيارة وحصرها إعلامياً بلقاءات عشقي مع نواب من المعارضة في الكنيست، مع التأكيد على أن اللقاء جرى في رام الله، وتجاهل لقاء عشقي مع غولد، التي تحدثت عنه “هآرتس” بصورة عابرة.
وبدا في اللقاء الإذاعي أن الأسئلة التي طُرحت على عشقي، بصيغة تتطلب جواباً بالنفي أو الإيجاب، كانت مقصودة بهدف تلطيف وتخفيف أضرار الزيارة، أو بالأساس التخفيف من حدة ردود الفعل، وإبعاد أو نفي شبهة وجود تنسيق سعودي إسرائيلي.
وكان لافتاً في هذا السياق، أن الإذاعة بثّت مقاطع قصيرة من المقابلة التي أجريت باللغة العربية، واعتمدت بث باقي التصريحات مترجمة على لسان مراسلها جاكي حوجي. كما استهلت المقابلة بتصريحات للعشقي، يشير فيها إلى أنه “لن تكون هناك اتفاقية سلام بين السعودية وإسرائيل، قبل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”. وهو الموقف الرسمي المعلن للسعودية، كما شدّد مراسل الإذاعة العسكرية، على أن “عشقي، الذي يأتي في زيارة غير رسمية، يلتزم بالموقف الرسمي لبلاده”.
وعلى الرغم من اعتبار وسائل الإعلام العربية المختلفة، أن الزيارة هي زيارة تطبيع، فقد غاب عنها أنه كي يتم التطبيع يجب أن يسبقه وجود اتفاق سلام بين الطرفين. بالتالي فإنه يمكن القول إن زيارة عشقي جاءت على ما يبدو لتهيئة الرأي العام، سواء العربي أم السعودي، لمرحلة مقبلة من الاتصالات الإسرائيلية السعودية العلنية، خصوصاً أن دولاً عربية خليجية لم تعد قادرة على مواجهة تصريحات نتنياهو، أو غولد، عن وجود تقاطع مصالح وتعاون مع ما يسميها “دولا عربية سنية معتدلة”، بمواصلة التزام الصمت حيالها.
ومن الواضح أن زيارة عشقي وما ذكرته “هآرتس” عن لقائه غولد، ومنسق أنشطة حكومة الاحتلال في الأراضي المحتلة الجنرال يوأف مردخاي، تدخل ضمن مساعي وتحرك بعض الدول العربية للدفع قدماً بالمبادرة المصرية، والأفكار المتعلقة بتنظيم مؤتمر إقليمي رباعي تشارك فيه إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية ومصر، وبرعاية أميركية، بديلاً عن المبادرة الفرنسية.
ومع أن عشقي أصرّ على أن الزيارة ليست رسمية، إلا أنه من الواضح أنه تم اختياره دون غيره لهذه المهمة، التي قد تتضح تفاصيلها لاحقاً، وذلك لأسباب عدة، ومنها أسبقية لقائه في ديسمبر/كانون الأول الماضي غولد علناً في واشنطن، وأيضاً لتوفر “الغطاء الأكاديمي”. وكأن دوائر حكومية سعودية تتيح نوعاً من “حرية التحرك” الفردي، في طرح أفكار سياسية جديدة تتعلق بالمبادرة العربية، مع الحرص على ضمان “فقرة فلسطينية”، تمثلت بزيارة عشقي لرام الله ولقائه مسؤولين فلسطينيين، سواء لنقل ما تمّت مناقشته من أفكار مع غولد، أم لتوفير غطاء “يكون مقبولا عربياً” لتبرير الزيارة.
ويفسر هذا بدوره أيضاً اعتماد سلطة رام الله وحرصها لإكمال نسج غطاء يبرر الزيارة، وحرصها على ترتيب لقاء لعشقي مع نواب كعضو الكنيست عن حزب “ميرتس” عيساوي فريج. مع العلم أن سلطة رام الله تحاول جاهدة في مثل هذه المناسبات، أن تجد غطاء لها من خلال النواب الفلسطينيين من الأحزاب العربية، لإضفاء شرعية على لقاءات مع الطرف الإسرائيلي، إلا أنها ذهبت هذه المرة للطلب من فريج، العضو العربي في حزب “ميرتس” الصهيوني، لترتيب اللقاء وعدم إيكال هذه المهمة لأي من أعضاء “القائمة العربية المشتركة” التي تمثل مجمل الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة في الداخل الفلسطيني.(العربي الجديد)