عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب- دخلت الخليل من بابها الذي بقي مفتوحاً من جهة حلحول وقد أغلق الإحتلال كل بواباتها الأخرى وخاصة المؤدية الى قراها في الجنوب حيث ما زالت العديد من القرى تخضع للحصار والإغلاق ..
لم أتمكن من الوصول الى مسقط رأسي بسبب الاغلاق فالطريق الى الظاهرية مغلقة وكذلك السموع ويطا حيث السواتر الحجرية والترابية وحيث ما زالت أكثر من عملية في المنطقة تتفاعل ..
الخليل كبيرة وممتدة .. والتي كنت أعرفها تغيرت تماماً فالخليل الآن أكبر مدينة فلسطينية عدداً ومساحة في عموم فلسطين بلا منازع وعلى امتدادها الذي تنوعت احياؤه وتغيرت اسماؤها بعد حوالي نصف قرن على إحتلالها ..
كما إمتدت قراها وتوسعت وبعضها أصبح مدناً مثل دورا التي اتصلت بالخليل وتداخلت معه في البناء والإمتداد …
وغير دورا هناك (99) قرية تتبع محافظة الخليل التي أعد الآن كتاباً عنها بإنتظار طباعته وهو يتحدث عن التاريخ والجغرافيا والمواطنين وعن الأثار والعادات والتقاليد والفلكلور الخليلي الخصب جداً وعن القرى والخرب والمواقع العديدة وعن البلدية المركزية والأماكن الدينية وأبرزها الحرم الابراهيمي وعن الإنجازات الباهرة في الصناعة التي تتفوق فيها الخليل وتحصد الجوائز وخاصة صناعة الحجر والرخام والأحذية والجلود والمواد الغذائية وغيرها ففي الخليل أكثر الفلسطينين مواظبة وجدية وقدرة على الإنجاز والعمل والصبر والتحمل ..
وفيها جامعات أبرزها جامعة الخليل .. التقنية “جامعة بوليتكنيك فلسطين ” وهي من ابرز الجامعات الفلسطينية وأكثرها اهتماما بنوعية التعليم ..
كانت زيارتي الى الجامعة بمناسبة احتفالها بمنح الدكتوراه لمعالي منيب المصري “ابو ربيح” كرد جميل وفضل له وهو الذي تبرع ببناء مركز منيب المصري للأبحاث في الجامعة والمكون من ثلاث طبقات تحت الانجاز كما ان اكاديمية القدس الدولية التي أنشأها المصري بتبرعات من وقفية القدس والتي له أيضاً فضل بعثها وتمكين شخصيات عربية هامة ومقتدرة من رفدها وتوفير الاموال لها لتكون قادرة من خلال اذرعتها المختلفة على توفير الدعم للجامعات الفلسطينية ودعم البحث العلمي للجامعات الاردنية والفلسطينية معاً وقد جرى اختيار الدكتور المتميز اخليف الطراونة ليرأس هذه الاكاديمية كما جرى اختيار مجموعة من الاساتذة الاكاديمين المميزين لهذه المهمة ومنهم الدكتور زعبي الزعبي عميد كلية الاعمال في الجامعة الاردنية ورؤساء جامعات اردنية وفلسطينية اخرين
استطاع منيب المصري برسالته الوطنية والانسانية والعلمية الاكاديمية أن يحتوي جهودهم وامكانياتهم وان يعيد انتاجها لصالح دفع البحث العلمي في الجامعات الشقيقة الى الامام ..
كان يوما جميلا في الخليل التي تمنح جامعتها الدكتوراه لأول مرة وخاصة لمنيب المصري وهي بذلك ترسل رسالة لكل أصحاب الايدي المتفضلة بالدعم والاسناد والرعاية ..
لم أجد ” أبو ربيح ” مسرورا ومنفعلا كما رأيته على خشبة مدرج الاحتفال في الجامعة.
كانت عيناه مغرورقة بالدموع وكان قلبه يدق بقوة ليس لأنه ينال الدكتوراه لأول مرة بل كانت هذه ربما المرة الحادية عشرة ولكن لأنها كانت من جامعة فلسطينية ومن الخليل تحديدا .. ومن جامعتها المميزة ..
كان نفر من أبناء الخليل في الجامعة ومن ادارتها ورؤساء كلياتها ورئيس الجامعة . ورئيس مجلس الامناء وقد صفقوا لمنيب المصري واحتفلوا معه وكرموه وضيوفه بغداء ايضا ..
كانت سلطات الاحتلال حاجزاً لم يمكن الوفد الأردني الذي يضم مجموعة من الأكاديمين المميزين من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات من حضور الاحتفال لاجراءات تتعلق بالاحتلال وايضا لقصور الاجراءات المتبعة يومها والتي يعرفها الدكتور الزعبي والذي بذل جهودا مضنية وعبر عن غضبه والمه وقهره لأنه لم يستطيع الوصول ..
وصل منيب المصري ووصل معه ابناؤه وبناته وأحفاده وحفيداته .. كان لقاءاً مؤثر وعائلياً فهذه محطة تكريم للرجل الذي اعطى بلا توقف على المستوى الأسري والوطني والقومي، وظل يحلم بوطن مستقل حر يتعلم ويتميز لفلسطين ولأمته كلها فهو يدرك أن فلسطين بدون امتدادها العربي والقومي تكون عزلاء لا جذور ضاربة لها وأنها بحاجة الى كل ابنائها والى ابناء امتها لتنتصر على الموجة الظلامية الاحتلالية الطاغية ..
كانت علامات الانفعال والبكاء الكامن تتبدى في صوت منيب المصري المرتجف حين غابت الكلمات وغابت حروفها وحضر الانفعال والكلمات العميقة الفلسطينية المؤثرة التي اطلقها وقد عبرت عن فرحه والتزامه وعن اصراره لمواصلة مسيرته في العمل الوطني الذي تحدث عنه المتحدثون من قيادة الجامعة سواء دوره في المصالحة الوطنية واعادة تأكيدها لأن الانقسام ظل جرحاً نازفاً واصابة في العمود الفقري تشل شعبنا عن تحقيق امنياته وامانيه في الحرية والاستقلال ..
وايضاً فيما قدمه عبر مسيرته من دعم المؤسسات الجامعية والخيرية والمراكز الثقافية ..
فقد كنا هناك في نابلس يوم افتتاح مركز الرئيس الراحل عرفات وفي رام الله وبيت لحم حيث أيادي” ابو ربيح ” وبصماته وحيث المنح للطلاب وحيث العطاء الذي وصل جامعات اخرى عربية واجنبية ومنها الجامعة الاميركية في بيروت حيث درس وتخرج منيب المصري ..
هذه دكتوراه اضافية يراكمها “ابو ربيح” الى جانب ما حصل عليه من جامعات عربية واجنبية ولكن لهذه الدكتوراه نكهتها وطعمها ودلالاتها المختلفة لأن فيها صمود الخليل ورياديتها وجامعات فلسطين واجماعها على ضرورة انجاز جيل يقبل التحدي ويواصل قيادة المسيرة باتجاه الحرية والاستقلال وتقرير المصير ..
كلمات التميمي رئيس مجلس امناء الجامعة وكلمة البرفسور الخطيب رئيس الجامعة كانتا مؤثرتين وكلمة محافظ محافظة الخليل اللواء كامل حميد ممثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس كانت سياسية وعميقة ووحدوية بامتياز كما كانت كلمة الدكتور عماد كشك مؤثرة على ما يلزم من اجل جامعات تتميز بالبحث العلمي وتصعد على سلم التميز به ..
كنا في الخليل تعلمنا كيف ترفد الجامعات الصمود وتغني للمقاومة وتبشر بمستقبل تشرق فيه الحرية من خلال المعرفة .
فقد تفوق عدونا بالعلم والمعرفة والبحث وتخلفنا بدونها واليوم ادركنا اهمية ذلك وها هي التيارات الاكاديمية الفلسطينية تدرك مدى اهمية ذلك فتعمل بجد واجتهاد ومواظبة واخلاص لتختصر المسافات وتلحق وتقبل تحدي المواجهة العلمية فالاجيال الفلسطينية الطالعة بوعيها وسلاحها بالعلم ستحقق النصر من خلال وعيها وصمودها وحقها التاريخي والمعرفي …
في الخليل تعلمنا الكثير في يوم واحد وعرفنا عمق تأثير الاحتلال وخطورته على اهلنا بالحصار والملاحقة والتعذيب وايضا بالتهويد والاسرلة وتزوير الهوية ..
مبروك لمنيب المصري الدكتوراه الفخرية التي ارادها صرخة جديدة اخرى في الصمود ومواجهة الاحتلال والاصرارعلى اقتحام الحواجز واعادة رسم الابتسامة والامل ومبروك للخليل جامعتها الناهضة ولاهلها اريحيتهم وحفاوتهم ..
ما زلت منفعلا ففي الخليل مسقط رأسي الذي أعود اليه بعد نصف قرن لم تمسح شيئاً من احساسي العميق ولم تخفف من دقات قلبي وانا الفظ الاسم وأتلمس الجغرافيا واستعيد التاريخ وانظر للوجوه التي ظلت ترسم صورة خليل الرحمن المميزة ..
نعم انهم ابناء الانبياء الذين ما زالوا يلهجون بالاسماء دون كلل ودون ضعف في مواجهة قتلة الانبياء ..
تحية للخليل والى لقاء آخر مع هوائها وترابها …