عروبة الإخباري – ناقش اللقاء الفكري لمنتدى الفكر العربي مساء الأربعاء 20/7/2016 كتاب “قراءات في المسألة الإسرائيلية” للدكتور إبراهيم بدران، مستشار رئيس جامعة فيلادلفيا للعلاقات الدولية والمراكز العلمية، وشارك في التعقيب على مضامين الكتاب الأستاذ نصوح المجالي الكاتب والمحلل السياسي والوزير السابق للإعلام والثقافة ، و أ.د. علي محافظة أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية، و أ.د. هند أبو الشعر أستاذة التاريخ في جامعة آل البيت، وأدار اللقاء د. محمد أبو حمور الأمين العام للمنتدى، بحضور أكاديميينوسياسيين وكتّاب وإعلاميين.
كلمة د. محمد أبو حمور
في كلمته التقديمية للقاء أكد د. محمد أبو حمور أن هذا اللقاء يتخذ طابعاً خاصاً لأنه يجمع ما بين مناقشة مضامين كتاب “قراءات في المسألة الإسرائيلية”، وفي الوقت نفسه التفاكر حول قضايا ومشهدية متسارعة من الأحداث في المنطقة والوطن العربي، تبرُز فيها الخيوط الإسرائيلية حيناً، وتتوارى في أحيان أخرى، وكذلك انعكاس مجريات تلك الأحداث وتداعياتها، والترتيبات والمشاريع التي عملت وتعمل القوى الكبرى وحلفاء إسرائيل على تنفيذها في المنطقة.
وأضاف د. أبو حمور أن الموضوع ليس اجتراراًلحديث عن نظرية المؤامرة، لكن الاستقراء الذي قام به د. إبراهيم بدران في كتابة يكشف أنه واقع تآمري بالفعل، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، كان فيه العرب وأرضهم ضحية تعقيدات سياسية وعوامل وصراعات دولية وتاريخية، أفضت إلى نشوء قضية فلسطين، والصراع العربي – الصهيوني، ومن ثم تداعيات هذا الصراع في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، التي امتدت إلى نشوء التطرف والإرهاب، وإيجاد بؤر لإثارة النزاعات العرقية والطائفية والمذهبية، والعمل على تفتيت منهجي لِبنية الأمة العربية – وهي مركز الهدف – ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً، وبالطبع سياسياً.
وأشار د. أبو حمور إلى أن مؤلف الكتاب وهو يستقرىء قضايا التاريخ وتوظيف التاريخ والديانة اليهودية في المسألة الإسرائيلية، ومحاولات إضفاء الشرعية عليها من قبل الحركة الصهيونية، لم يقصد إلى مجرد سرد التاريخ وتجميع المعلومات في سياق معين يعتبره تفسيراً لها، بل جعل من نفسه في موقع الملاحِظ والمدقِّق لسياق الواقع التاريخي نفسه وعلاقة الفكر الديني والسياسي بمجريات هذا الواقع، وأنواع العلاقات التي نتجت عن ذلك، وما أفرزته من نتائج وتأثيرات على صعيد الدور الأمريكي والمصالح الدولية في المنطقة، وصعود القوى الإقليمية، وعمليات الإصلاح والتحول الديمقراطي في البلدان العربية، وصولاً إلى تداعيات المشهد الحالي بالنسبة للملف الفلسطيني وتدمير فرص السلام، وفكرة الدولة الفلسطينية، والأجندة الأمريكية في مشرق الوطن العربي ومغربه، وكذلك فيما يتعلق بالتجاذبات بين أمريكا والقوتين الإقليميتين إيران وتركيا، والمشهد في سورية والعراق، وغير ذلك من قراءات.
كما أشار إلى أن سرد التاريخ وحده يفيد معرفياً، لكن في حالة الاستقراء المتمعن والهادىء ينبغي أن يكون التاريخ ملهماً للخيال في استقراء المستقبل أيضاً، وفي تلمس مواضع الضعف والتراجع على الجانب الذي وقع ضحية، دون أن يعفي الضحية من مسؤوليتها تجاه نفسها، وهو ما ينبغي أن يتنبه له العرب.
وأوضح د. أبو حمور أن كتاب “قراءات في المسألة الإسرائيلية” جاء إضافة مفيدة في مجالالدراسات المستقبلية والاستيعاب العلمي الهادىء لمفاصل المسألة الإسرائيلية، جامعاً بين المعارف الفلسفية والتاريخية وتحليل الأحداث وترابطها، واستشراف مستقبل إسرائيل بواقعية وموضوعية، مع استشفافملامح قادمة للمشهد العربي وأوضاع المنطقة.
كلمة د. إبراهيم بدران
وفي استعراضه لمباحث كتابه “قراءات في المسألة الإسرائيلية”، أشار المؤلف د. إبراهيم بدران إلى أنه بعد مرور (201) سنة على انطلاق الصهيونية السياسية من بازل عام 1897 وبعد مرور (68) عاماً على قيام اسرائيل طرح العديد من المفكرين أسئلة: هل لإسرائيل مستقبل ؟ وهل انتهت المسألة اليهودية؟ وهل حلّت محلها المسألة الإسرائيلية؟
وأوضح د. بدران أن الحركة الصهيونية نجحت في إقامة إسرائيل بتأثير عوامل عدة أبرزها:قوة الحركة الصهيونية وما تفرع منها أو تحالف معها من مؤسسات وأذرع؛ والانتداب البريطاني على فلسطين ودور بريطانيا التاريخي والحاسم في تسليم فلسطين لليهود؛ والتفاعلات التاريخية السياسية الاقتصادية الثقافية لليهود في أوروبا؛ وضآلة الخبرة السياسية والإدارية للفلسطينيين والأقطار العربية في أعقاب انحسار الحكم العثماني. وقال إنه رغم هذا، فإن عوامل البقاء لهذه الدولة لا تزال خارج إمكاناتها إلى حد كبير، وتعتمد في الركن الأول منها على الدعم والمساندة الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والسياسية والقانونية غير المشروطة التي تقدمها الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وغيرها. وتعتمد في الركن الثاني على الضعف والتخلف والتمزق العربي والفلسطيني. ومن هنا فإن استراتيجية البقاء في العقل الاسرائيلي تقوم على تعزيز الركنين سالفي الذكر؛ أي دفع أمريكا إلى مزيد من الدعم المتواصل لإسرائيل مقابل دفع العرب والفلسطينيين إلى مزيد من التخلف والتمزق .
وأضاف أن كتاب “قراءات في المسألة الاسرائيلية” يحاول تفكيك العقل الاسرائيلي بالتعرف على تطلعاته المستقبلية من جهة،وفيما إذا اعتبر هذا العقل إسرائيل حلاً نهائياً للمسألة اليهودية،فلا يزالالإنسان الإسرائيلي يشعر بالخوف والقلق ولكنه في مأزق كبير. ولذا فإن المسألة اليهودية قد تحولت بكل تفاصليها لتصبح المسألة الاسرائيلية، في الوقت الذي ما يزال العقل الإسرائيلي مصراً على التوسع والاحتلال بالاستناد إلى المشروع الاستعماري الاستيطاني. وهناك العديد من المفكرين اليهود الذين يرون أن أفق المستقبل في إسرائيل وفي وجودها آخذ بالاضمحلال.
تعقيب الأستاذ نصوح المجالي
وفي تعقيبه على كتاب “قراءات في المسألة الإسرائيلية، قال الأستاذ نصوح المجالي: إن المسألة الإسرائيلية التي تمثلت فيها تعاليم الكراهية كانت أمينة على تعاليم التلمود؛ إذ احتلت كامل الوطن الفلسطيني وأجزاء من جواره، وشردت شعب فلسطين واستخدمت الاستيطان لاقتلاع الشعب الفلسطيني من الجذور، ورفضت السلام وأفشلت فرصه، وأنكرت وجود شعب أو طرف فلسطيني، وعملت كأداة للاستعمار الغربي مهمتها تهديد جوارها العربي والسيطرة عليه، وتفريغ طاقات المنطقة العربية بالحروب والسعي لتفتيتها من الداخل طوائف وإثنيات وكيانات متصارعة.
وأضاف إن اليهود وظفوا التاريخ والديانة لإقامة دولة على أسس من الاحتلال والعدوان والعنصرية وجلسوا في مقعد الجلاد يسومون ضحاياهم الفلسطينيين العذاب، وابتدعوا مقولة معاداة السامية لمنع العالم من نقد ممارساتهم وتجاوزهم على حقوق الشعوب والانسان. والآن يساهمون وحلفائهم في تحريك الفوضى في المنطقة العربية كأداة لإعادة تشكيل المنطقة لتصبح طوائف دينية وإثنية، ودويلات صغيرة مسيطر عليها، من خلال استخراج الصراعات التاريخية، وافتعال أحداث تحدث التغيير العميق حول إسرائيل، وكان احتلال العراق بوابة الفوضى في المنطقة وتلتها سوريا وأقطار عربية أخرى, وأدى ذلك لاستدراج الإرهاب، ليديم الحروب الطويلة داخل المجتمعات العربية لاستكمال إنهاكها على مدى العقدين القادمين.
وأشار المجالي إلى أن كتاب د. بدران يخلص إلى أن لا مخرج من هذه المتاهة إلا إصلاح العلاقة بين الدولة ومجتمعها في عالمنا العربي, وفق القانون والديمقراطية لأن ما يجري في بلادنا نتيجة حتمية للضغوط الاجتماعية المتولدة عن الاخفاقات الرسمية, ولأن قوة اي نظام تنبع من رضى وقوة شعبه وقوة مؤسساته الوطنية.
تعقيب أ.د. علي محافظة
عقب أ.د. علي محافظة بالإشارة إلى أن كتاب د. بدران تناول الحركة الصهيونية، باعتبارها حركة استعمارية أوروبية استهدفت استعمار فلسطين، واقتلاع شعبها وإحلال اليهود القادمين من مختلف بقاع الدنيا محلهم. وعرض للفكر الصهيوني للعامة والحق التاريخي لليهود في فلسطين وفكرة الأرض الموعودة الواردة في العهد القديم، وبيّن بطلانهما. كما أوضح آراء العديد من المؤرخين والمفكرين الغربيين واليهود الذين ناقشوا هذه الأوهام والأساطير، وكشفوا عما تحتويه من سخافات لا يمكن القبول بها. واستشهد المؤلف بنصوص من العهد القديم والتلمود البابلي التي تعكس النفسية الصهيونية واليهودية في نظرتها إلى الأغيار (غير اليهود) وتعاملها معهم استناداً إلى التعاليم الدينية الواردة فيهما. كما أبان المؤلف تهمة “اللاسامية” (العداء لليهود)، وكيف استعملها الصهاينة والإسرائيليون لمعاقبة كل من ينتقد الصهيونية وممارسات إسرائيل الوحشية في فلسطين المحتلة.
كما أشار إلى أن الكتاب اشتمل على عرض مفصّل لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما نحو العراق وسورية والدول العربية بعامة، والموقف الأمريكي من الصراع العربي- الإسرائيلي، وملف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، وهو موقف منحاز علناً إلى الجانب الإسرائيلي. واعتبر د. محافظة أن هذا الكتاب يبرز قدرة المؤلف على التحليل السياسي، والربط بين الأحداث والبيانات الرسمية الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين والعرب والإسرائيليين. وأظهر العجز الرسمي العربي عن التكيف مع الظروف الدولية، والاستجابة للمطالب الشعبية في الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي أفضى إلى كوارث ودمار.
تعقيب أ.د. هند أبو الشعر
من جهتها ركزت أ.د. هند أبو الشعر في تعقيبها على كتاب “قراءات في المسألة الإسرائيلية” على أن هذا الكتاب يطرح الأسئلة الصعبة في الزمن الصعب، وهي الأسئلة التي تواجه العرب والإسرائيليين والعالم الغربي بنفس القدر، ولكن الوطن العربي المشغول بالموت والخراب وهدم الدولة ومؤسساتها، يتجاهل هذه الأسئلة ويؤجلها ، في حين أن إسرائيل تدرسها وتساهم بتضخيمها ، ويقوم العالم الغربي برسم التاريخ القادم كما يريد. ومن هذا الواقع يصبح لقراءات د. بدرانأهمية استثنائية، وهو الأكاديمي والإعلامي والباحث ورجل السياسة، الذي تتنوع اهتماماته وتتعمق كماً ونوعاً في مجالات المناهج ومواجهة التطرف والطاقة والمياه والمشروع النووي وقضايا الاستثمار وموضوع انحدار الدولة وقتل المؤسسات، والأمن الاجتماعي، وقد وظف كل خبراته لتقديم كتاب مؤرق يطرح التساؤلات الصعبة ولا يؤجلها، وامتاز كعادته بأسلوبه المحفز باختيار الموضوعات وطرح الأسئلة واستخدام الإحصاءات وتوظيفها ، واستخدام أسلوب الجدولة لشد اهتمام القارئ بحيث يتابعه القارئ المتخصص والقارئ العادي.
وأضافت د. هند أبو الشعر أن هذا الكتاب الذي لم يستثن القضايا الجوهرية التي يتهرب منها عرب اليوم الذين تشغلهم الخلافات عن الواقع المرير الذي يتصاعد حولنا. ووصفت الكتاب بأنه محفِّز ويتحدانا في هذا الزمن تحديداً، ويعيدنا إلى الرشد الذي فقده العرب، ويستعيد زمن طرح الحجارة في البرك الساكنة، وهذا هو زمن قراءته وفهمه والوقوف عند تحليلات المؤلف بوعيه وسعة اطلاعه وتنوره .. إنه كتاب المرحلة خاصة وأنه يتوقف عند رسم القوى العالمية لمصير المنطقة وتقطيعها للجغرافيا والتاريخ، وإنه كتاب يستحق القراءة الواعية بامتياز.
منتدى الفكر العربي يناقش كتاب “قراءات في المسألة الإسرائيلية”
14
المقالة السابقة