بات وضع إيران “على كفّ عفريت”، حيث أخذت التحركّات الداخلية تتصاعد، كأن البلد سينفجر. فقد عاد الأكراد إلى ممارسة الحرب ضد النظام. وهذا ما يقوم به العرب في عربستان. وأيضاً، يقوم به البلوش. إضافة إلى تظاهراتٍ في كردستان إيران وعربستان. وربما غداً في طهران وكل المدن الأخرى، فقد أثّر الحصار الإمبريالي الأميركي على الوضع الاقتصادي، لأنها لم تعد قادرةً على بيع نفطها في السوق العالمية، نتيجة أنه يُباع حتماً بالدولار، وقد فرض بنك الاحتياطي الأميركي حصاراً على البنك المركزي الإيراني، ما جعل كل دولار يُستحق لإيران من النفط يمرّ في أميركا، وبهذا تمكن مصادرته. كما أنها استهلكت أموالها في حروبها الخارجية، في العراق ولبنان وسورية واليمن، وربما بلدان أخرى، حيث صرفت مئات المليارات على تدخلاتها في هذه البلدان وحروبها فيها، على الرغم من أنها نهبت من العراق، نتيجة هيمنة “أتباعها” على السلطة، وهذا ما ظهر بفقد العراق ما يزيد على 800 مليار دولار في السنوات التالية للاحتلال، وقد نهب قادةٌ كثيرون ملياراتٍ منه، لكنه كان يذهب الى إيران. على الرغم من ذلك، لم يتحسّن الوضع الاقتصادي، بل ازداد صعوبةً وتعقيداً.
وبدا أن الاتفاق النووي سوف يحل المشكلة، من خلال فك الحصار وبيع النفط، وكذلك استرداد الأموال المجمدة في أميركا وأوروبا. لكن ذلك كله لم يحدث، وأن ما تحقق جزئي، ولن يحلّ مشكلةً تراكمت خلال عقود. وقد بلغ حماس الشركات الأوروبية والروسية والأميركية أوجه، بعد توقيع الاتفاق، حيث سعت إلى أن تحصل على مشاريع تتعلق بتطوير آبار النفط والبنية التحتية وغير ذلك، لكننا نشهد اليوم هبوطاً في الاهتمام، وتراجعاً في الطموح، على ضوء ما ظهر في الواقع.
لهذا، لم يطرأ جديد على وضع إيران الاقتصادي، وظل الأفق مغلقاً على إمكانية تحسين الوضع، بفعل عودة إيران إلى وضعها الطبيعي في تصدير النفط. على الرغم من أنها بدأت في التصدير. ويبدو أن الأمر يحتاج إلى حلٍّ أكثر جذريةً من أجل إسعاف الاقتصاد، وتحقيق الاستقرار.
لكن، يمكن الإشارة الى أن طبيعة النظام الاقتصادي الذي أقامه الملالي، والذي هو اقتصاد ليبرالي مافياوي، فرض تحولاً كبيراً في بنية المجتمع، نتج عنه توسّع حالة الفقر في صفوف قطاعٍ كبيرٍ من الشعب، وتهميش مناطق عديدة، ودخول المجتمع في أزمةٍ كبيرة، خصوصاً كذلك أن المال المتوفر بيد الدولة كان يذهب، أولاً، إلى الحرس الثوري والمافيا المحيطة به. لهذا، بات وضع الشعب صعباً، وإذا كان صامتاً طوال العقد الأخير، حتى حينما تحركت الفئات الوسطى سنة 2009 دعماً للإصلاحيين، فإن عمق الأزمة ربما بات يدفعه إلى التذمر.
أولاً، هناك احتقان يتراكم لدى الطبقات المفقرة، وهي واسعة في إيران، ولا شك في أن الفقر يزيد، والبطالة تتصاعد، الأمر الذي يجعل الحراك أمراً ممكناً، وربما يهيء لثورة.
وثانياً، لا شك أن تأزم الوضع المجتمعي فرض تصاعد أهمية المسألة القومية، حيث إن إيران تتكون كدولة من قومياتٍ وأجزاء من قوميات، تخضع لسيطرة فئاتٍ من القومية الفارسية. وإذا كان هناك من القوميات من لا يفكّر في طرح مشكلاته في تضادٍّ مع الدولة، فإن بعضها، وخصوصاً ما هو امتداد لأمةٍ، بات يطرح مسألة الاستقلال هدفاً، كما يفعل الأكراد والعرب والبلوش.
وبهذا، لم تعد القوميات قابلةً بالوضع القائم، وأيضاً لا يبدو أنه سيطول فرض الطبقات المفقرة لوضعها المزري. ولهذا، تطرح في إيران مسائل عديدة دفعةً واحدة. أولاً، الوضع المعيشي لأغلبية باتت مفقرة، ولم تعد قادرةً على تحمُّل وضعها، وإذا لم تعبّر عن ثورتها إلى الآن، يمكن أن تفعل ذلك في أي وقت. وثانياً، أن مسألة القوميات باتت تُطرح، حيث يميل بعضها إلى الاستقلال، ولم يعد الأمر عابراً، بل بات جدياً. وثالثاً، هناك الفئات الوسطى التي تريد التخلص من نظام الملالي، وبناء دولة مدنية. ويشكل هذا كله مخاض إيران.