أكدت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، ما كان يتردد منذ أسابيع قليلة في أوساط الدبلوماسيين، بشأن لقاءات تتم عبر قنوات سرية في الجزائر بين ممثلين عن أنقرة والنظام السوري، وتتركز حول القضية الكردية التي باتت تشكل تهديدا كبيرا لتركيا.
لم يصدر أي تعليق من طرف أنقرة أو دمشق يؤكد الخبر أو ينفيه. لكن بالنسبة لعديد المراقبين، تقرير الصحيفة البريطانية لا ينطوي على مفاجأة كبرى؛ فبعد الاستدارة التركية صوب روسيا، صار بالإمكان توقع خطوات أردوغانية في واحد من أهم الملفات العالقة بين موسكو وأنقرة. فما هو المدى الذي ستبلغه الاستدارة التركية في سورية؟
تحليل “فاينانشال تايمز” يفيد بأن “أنقرة مستعدة لاتخاذ خطوات من شأنها أن تغير مسار الحرب الأهلية في سورية”.
ثمة قدر من المبالغة في تقديرات الصحيفة البريطانية. ليس من شك أن تركيا قد تبنت سياسة متهورة في سورية، كلفتها خسارة حلفاء وأصدقاء في الشرق والغرب، وأكثر من ذلك وضعتها في صدام دموي مع الأكراد والإسلاميين المتطرفين الذين سبق وأن وفرت لهم رعاية استثنائية، وفتحت حدودها لإمداد الجماعات المسلحة من دون تمييز بالسلاح والمال والمقاتلين. وتشكو السلطات التركية اليوم من وجود ما لا يقل عن 18 ألف أجنبي على أراضيها دخلوا بهدف الالتحاق بالجماعات المسلحة في سورية وتجهل عناوينهم. وكان من بينهم من نفذوا هجوم مطار أتاتورك الإرهابي.
ومع اتساع دائرة الخلافات الدولية والإقليمية، أدركت تركيا أنها بلا حلفاء؛ عداء مع روسيا، جفاء مع واشنطن، وعدم ثقة من طرف الاتحاد الأوروبي. وفي الجوار الإقليمي، لم تجد غير إسرائيل لتنقذها من عزلتها.
لكن أردوغان ورغم ما يبدو عليه من صلف ورعونة، فإنه براغماتي من طراز رفيع. فقبل أن يبلغ نقطة اللاعودة في الصراع المفتوح على كل الجبهات، قام بانعطافة كبيرة تمثلت في تقديم الاعتذار لروسيا، وترميم الخلافات مع إسرائيل، وفتح نافذة ضيقة على النظام السوري، عسى أن تساعد على احتواء الطموح الكردي الذي يهدد وحدة تركيا.
لن يذهب أردوغان خطوات أبعد في سورية؛ في هذه المرحلة على الأقل. ما يهمه حاليا هو استعادة زخم العلاقات السياسية والاقتصادية مع روسيا، والاقتراب أكثر من الخطاب الروسي الأميركي حيال الحل السياسي للأزمة السورية، وما يتطلبه ذلك من مراجعات للهجة الخطاب الأردوغاني الحادة تجاه النظام السوري، وفك الارتباط قدر المستطاع مع الجماعات المتطرفة في سورية. والاختبار الحقيقي هو في موقف أنقرة من جبهة النصرة.
إن العنصر الحاسم في سياسة تركيا تجاه سورية يشهد تبدلا جوهريا، لم يصل بعد حد الانقلاب. هم تركيا الأساسي في هذه المرحلة هو احتواء الطموح الكردي، وإجهاضه في مهده، وليس العمل من أجل إسقاط النظام السوري كما كان الموقف في السابق.
لا شك أن هذا تحول كبير في السياسة التركية، أملته مصالح تركيا العليا. لكنه لا يعني بأي حال استعداد أردوغان لمصافحة الأسد قريبا.
إنها استدارة محسوبة، ترضي واشنطن وموسكو في آن واحد.