عروبة الإخباري – كتب غسان عبد الخالق
حسنا، سأبدا بالحديث عن أحبّ ساعتين إلى نفسي في كل يوم من شهر رمضان المبارك، وأعني بهما: الساعة التي تسبق لحظة الإفطار والساعة التي تعقب لحظة الإفطار.
في الأولى تجتاحك سكينة يصعب توصيفها، بما في ذلك تساؤلاتك الباسمة عن أسباب اختفاء لواعج الجوع والعطش وتشوّقك لتأدية صلاة العصر بكل ما فيك من مشاعر الامتنان لأنك اجتزت خط الفوز اليومي ، ثم تنهمك في توضيب أكواب وأطباق المائدة التي كلّما قلّ عددها وتواضع محتواها تضاعف التذاذك بها وتعمّق تفكيرك بكل من يجلس «الآن»، أمام مائدته وهو لا يملك أن يضع عليها سوى رغيف خبز وصحن حساء وكوب ماء وبضع تمرات!
ما أن يرتفع صوت المؤذّن بالأذان حتى يغمرك شعور بالمحبة الخالصة والاندغام التام في تنهيدة كونية فسيحة. تأدية صلاة المغرب بعد الإفطار مقدمة روحية وحركية ضرورية لامتياح لذة ارتشاف ركوة القهوة رشفة رشفة وبعمق يمور بالإشراق والابتهاج. وأما تأدية صلاة العشاء فهي خاتمة لابد منها ليوم حافل بالمجاهدة الداخلية التي تلخص انتصار إرادة التّأمل على أنانيات الذّات واحتياجاتها الأرضية الملحّة.
شهر رمضان يمدني دائما بقراءات ليلية نوعية وزاخرة، سرعان ما أترجمها عبر كتابات نوعية تشعرني بالرضى، وأختمها عادة بتناول سحوري على مهل أيضا، ثم أصلّي الفجر وأقرأ ما تيسر من القرآن الكريم وأخلد للنوم بضع ساعات ثم أنطلق لعملي ممتلئا بسكينة أحمد الله عليها .
منذ سنوات نوقفت عن مشاهدة التلفاز خلال شهر رمضان، بسبب تردّي الدّراما العربية في التهريج والتسخيف والتسطيح، ولا أميل إلى مغادرة المنزل إلا لزيارة والدي ووالدتي، وأستمتع بالحديث مع زوجتي، وأبتهج كثيرا بإضاءة فوانيس وأهلّة رمضان في منزلي.
وبوجه عام، فإنني أعتقد بأن شهر رمضان يمثّل فسحة زمنية استثنائية لمراجعة الذات وتصويب مساراتها. ويؤلمني جدا أن تتحوّل هذه الفسحة الروحية إلى فزعة محمومة لاستهلاك المأكول والمشروب دون حساب فضلا عن إطلاق العنان لمظاهر السهر الطائش. فطوبى لكل من قنع فيها باليسير كي يظفر بالكثير، وكل من ذاق عرف، وكل من جدّ وجد، وكل من سار على الدرب وصل!