ألتقي بشكل مستمر، من خلال عملي مع زملائي في مؤسسة EDOF الخيرية، مع أعضاء ومسؤولين في المنظمات الأهلية العالمية، خصوصاً اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومنظمة أطباء بلا حدود. وبلا شك فإن الملف اليمني هو محور حديث معظم هذه اللقاءات، إلى جانب نظيره الملف السوري، الذي يأتي دائماً في المقام الأول.
وشهدنا جهوداً جبارةً في السنة الماضية منذ بداية اندلاع عمليات قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن من قيادة التحالف، خصوصاً من العميد أحمد عسيري، ومساعي طاقمه الإعلامي من حيث التغطية والتواصل المستمر خلال مراحل عمليتي: عاصفة الحزم، وإعادة الأمل. كذلك، فإننا شهدنا اهتماماً كبيراً من المؤسسات الدولية، الإغاثية منها والإعلامية، ببحث تفاصيل مجرى الأحداث، ومتابعة تحرّكات قوات التحالف وقراراتها العسكرية في اليمن.
وتبيّن للقريب والبعيد في الآونة الأخيرة حرص قوات التحالف على التقيّد بكل قواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في جميع عملياتها الدفاعية، التزاماً منها بواجب حماية المدنيين وتجنيبهم آثار الصراع، فتم وضع محددات وقيود صارمة وفق أحكام القانون الدولي، منها: استخدام قوات التحالف أسلحةً دقيقة الإصابة على رغم كلفتها العالية، وعدم وجود التزام قانوني دولي على الدول باستخدامها، وذلك حرصاً من المملكة والتحالف على تجنّب حدوث أي أخطاء أو أضرار جانبية، إضافةً إلى اعتماد قوات التحالف على عوامل مراجعة إضافية لانتقاء الأهداف لزيادة التأكد من مشروعية محلّ الاستهداف، وإجراءات احترازية لمنع وقوع الأخطاء. كما أولت قوات التحالف العمل الإنساني أهمية كبرى، فكوّنت خليةً للإجلاء والأعمال الإغاثية تتولّى المهمات ذات العلاقة بالعمل الإنساني، والتنسيق مع المنظمات الدولية، سواء الحكومية أم غير الحكومية. ونرى ما يقدمه التحالف لضمان رفع المعاناة عن الشعب اليمني، وتوفير المستلزمات الضرورية، سواء من المواد الغذائية أم الدوائية، ونقدر التحديات التي تواجه الحملة في تأمين خروج ودخول من يرغب من المدنيين والبعثات الدبلوماسية العاملة في اليمن، وتنسيق جميع تحركات القوافل الإنسانية للمنظمات الدولية لضمان سلامتها خلال العمليات العسكرية.
كل هذه الاحتياطات والالتزامات ضرورية وفعالة، إلا أن واقع الحرب متقلب، وغالباً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فالأخطاء واردة، والخسائر معظمها محتومة، كما أن التضحيات الوطنية التي يقدّمها الشعب اليمني الحرّ بمساندة التحالف لن تذهب سُدى، وللتحالف إدراك واسع بحجم الخسائر المادية والإنسانية، ويبقى الملف الإغاثي من أكبر أولوياته. لكن الأهم أن نبقى ملتزمين بالشفافية في كلّ مراحل دعم الشرعية في اليمن، وألا ننسى الأهداف والأولويات الاستراتيجية اليمنية منها والإقليمية، التي من أجلها شرعت السعودية وحلفاؤها في هذه العملية. لذلك نسأل: ما معنى التصريحات الأخيرة من الأمين العام للأمم المتحدة في وجه هذه الجهود؟ وما الذي سيتغيّر في نهج التحالف على أرض الواقع نتيجةً لذلك؟
إن إدراج بان كي مون – الأمين العام للأمم المتحدة – التحالف على «قائمة سوداء لدول وجماعات مسلحة» لهو إدراج غير ملزم قانونياً، ولن يترتب على المملكة أو حلفائها أي عواقب من جراء هذه الخطوة التي لا تقدم ولا تؤخر في حماية اليمنيين، أو دحض شر الجماعات المسلحة في اليمن من الحوثي والقاعدة. وفضلاً عن أن التقرير غير موزون وبعيد عن الواقع، فإن صدور مثل هذا التقرير عن الأمم المتحدة يمثّل خطوةً غير حكيمة من المنظمة، لتجاهلها مسؤوليات دول تحالف دعم الشرعية في اليمن تجاه الشعب اليمني وحكومته الشرعية إزاء الأعمال العدوانية والاعتداءات العسكرية التي قامت بها ميليشيات الحوثي وقوات الرئيس السابق في الأراضي اليمنية، التي تشكّل نواة الكارثة الإنسانية التي تدمّر اليمن.
كما أن ذكر التقرير ضربة جوية أميركية دموية على مستشفى تديره منظمة (أطباء بلا حدود) في قندوز بأفغانستان من دون التطرق إلى إدراج الولايات المتحدة الأميركية في القائمة، مكتفياً بأن «قوات تحالف دولية» هي المسؤولة عن الغارة، يُجبرنا على السؤال: «أليست قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية تحالفاً دولياً أيضاً؟»، فما معنى أن تُدرج المملكة في التقرير من دون الولايات المتحدة الأميركية؟
للازدواجية أمثلة كثيرة في تقرير الأمم المتحدة، لكن المملكة لا تستطيع تجاهل هذا الإدراج كليةً، ويجب البحث داخلياً في مواقع الضعف والإخفاق لدى الجهات المسؤولة في الرياض، لنصل بيقينٍ إلى معضلة سوء التواصل مع المنظمات الأهلية والإعلامية. على المملكة في العهد المعاصر، بدورها القيادي المحصّن بعقيدة دفاعية جديدة، تفسير الموقف اليوم بأنه ما زال هناك مجال كبير لمجهود أفضل، وإشراك تعاون أكبر مع منظمات الإغاثة الدولية بالتواصل مباشرةً وعبر بناء علاقات استراتيجية وتعاون ميداني لبحث الحقائق ونشر التقارير بشفافية، لنتجنب الوقوع في مثل هذا الموقف المحرج مراراً.