عندما جاء رجب طيب أردوغان على رأس حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا سنة 2003، رحّب عرب كثيرون مثلي بقدومه وخفنا عليه من مصير كمصير نجم الدين أربكان، أول رئيس وزراء إسلامي، الذي أطاحه الجنرالات سنة 1997.
كنا نخاف على أردوغان وحزبه والآن، صرنا نخاف منه. ما اعتقدنا بأنه مثَل صالح للإسلامي الديموقراطي المعتدل أصبح الجماعة باسم آخر، أي كل شيء ما عدا الديموقراطية. (لا يزال هناك عبدالإله بن كيران، الذكي المعتدل، وحزبه في المغرب).
راجعوا معي:
– أردوغان أطاح رئيس وزرائه وشريك دربه السياسي أحمد داود أوغلو، وسجن صحافيَيْن بارزَيْن، ويهدِّد بإغلاق جريدة «زمان» المعارضة، وقد رُفِعَت الحصانة عن 138 نائباً في البرلمان لمحاكمتهم بتهمة تأييد الإرهاب.
– الحرب على الأكراد لن تنتهي قريباً، وقد قتِلَ أكثر من 20 مواطناً تركياً في قرى الحدود مع سورية، وسيُقتَل آخرون، فالإرهابيون من «داعش» يملكون صواريخ كاتيوشا الروسية ويستعملونها. وأقرأ أن الجولات المقبلة ربما شملت أسلحة كيماوية. هناك مَنْ يعتقد بأن الإرهابيين يحاولون استدراج تركيا لدخول سورية. وفي حين أنني لست عسكرياً ولن أكون، فأنا أذكر من أيام التدريب العسكري في لبنان مراهقاً، النصحَ ألا يخوض بلدٌ حربين في وقت واحد.
– الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي على اللاجئين من سورية وغيرها في خطر. أردوغان طالب بدفع ثلاثة بلايين دولار وعد بها الأوروبيون لمنع تكرار هجوم اللاجئين السنة الماضية، ووصول حوالى 800 ألف منهم إلى أوروبا. بروكسيل تتردد في الدفع وأردوغان يهدد بفتح الأبواب أمام اللاجئين لغزو أوروبا. قرأت أن تركيا أصبحت الآن تطالب دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين بمبلغ 6.7 بليون دولار لحمايتها من اللاجئين.
المنشقّ الصيني الفنان إي واي واي هاجم الاتفاق بتهمة أنه غير أخلاقي، وكشف عن أعماله الفنية عن الموضوع في جزيرة ليسبوس اليونانية.
– تركيا متهمة بأنها تخفي الحقائق عن أوضاع اللاجئين. هي تستضيف 2.7 مليون لاجئ، وخطة اللاجئين الإقليمية لسنة 2016 – 2017 التي أطلقتها الأمم المتحدة ومنظمات خيرية عالمية تقول إن تركيا لا تعلن معلومات أساسية مثل تلك الخاصة بتسجيل اللاجئين مع أسماء الدول التي جاؤوا منها.
– ليس سراً أن الرئيس أردوغان يريد تغيير دستور تركيا وتقاليدها منذ سقوط الدولة العثمانية بنقل صلاحيات رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، وقد اختار خلفاً مطواعاً لداود أوغلو هو بن علي يلدرم. بين أسباب الخلاف التمرد الكردي، فالرئيس قرر قمعه بالقوة، وداود أوغلو رأى فرصة للحل بالطرق السلمية.
– أغرب ما في مواقف أردوغان أنه حاول بسط نفوذه على الأوروبيين، وألمانيا حاكمت صحافياً لنشر قصيدة تهين الرئيس التركي. غير أن هذا الإجراء تسبب بتحدي الميديا الحكومة الألمانية، وهولندا شهدت مسابقة للشعر ضد أردوغان وتدخلت القنصلية التركية في روتردام معترضة. في بريطانيا، نظمت مجلة «سبكتيتور» مسابقة شعرية ضد أردوغان، وقرأت أن بوريس جونسون، رئيس بلدية لندن السابق، فاز بها مع وجود قصائد أفضل في المسابقة. لم أقرأ قصيدة جونسون ولعلها كُتِمَت لأسباب سياسية.
أتوقف هنا لأعود إلى ما بدأت به، فقد كان رجب طيب أردوغان نموذجاً يُحتذى، وتحوّل إلى نموذج للسياسي الذي يجب الابتعاد عنه. هو لا يزال يؤيد «الإخوان المسلمين» في مصر، على رغم ما جنوا على بلادهم في سنة، ولعله يطمح إلى دعم «الإخوان المسلمين» في بلدان عربية أخرى. إلا أنني وقد دافعت عن «الإخوان» في المعارضة وانتقدتهم في الحكم، أدرك أنهم لن يعودوا في مصر، ولن يحكموا في سورية أو الأردن أو أي بلد، فأحيي النموذج الصالح عبدالإله بن كيران لأنه نسيج نفسه بينهم.