كتبت في «الحياة» (11/12/2015) تحت عنوان: هل يختفي «الإخوان المسلمون» في الأردن في العام 2016؟، إن الاستحقاق الانتخابي للإخوان المسلمين في موعد أقصاه 30 نيسان (أبريل) 2016 سوف يكون مؤشراً إلى مصير الجماعة، لأن السؤال المفتاحي عن المستقبل متعلق بموقف الحكومة بعد إشهار جماعة جديدة باسم الإخوان المسلمين بدت مختلفة ومناهضة للجماعة التاريخية، وبالفعل ففي موعد الانتخابات المقرر أبلغت الحكومة الجماعة بأن عقد الانتخابات عمل غير قانوني ثم أغلقت مقرات الجماعة بالشمع الأحمر، واختفت الجماعة في هدوء وسلام. وهي تطورات تؤكد مقولة إن الدرس رقم 1 من الربيع العربي هو أن الدول والمجتمعات اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تصحيح علاقتها بالدين على النحو الذي يحميها من المفاجآت والكوارث. والحال أن العلاقة التاريخية بين السلطة والإخوان المسلمين أصبحت موضع مراجعة استراتيجية.
فبعد انحسار الربيع العربي وصعود تحديات التطرف والعنف لم تعد الجماعة حليفاً سياسياً واجتماعياً للدولة، بل أصبحت عبئاً عليها وعلى نفسها، ذلك أن المشهد الديني والسياسي القائم اليوم أصبح في حاجة إلى إعادة تشكيل يضع الدين في سياق ملائم للمواجهة مع التطرف والكراهية، وصارت السلطة السياسية تنظر إلى الإخوان باعتبارهم جزءاً من المشكلة وليس الحلّ.
وفي سلوك جماعة الإخوان الملتبس والذي يدمج بين المشاركة السياسية والعامة والانفصال الديني والاجتماعي نشأت حالة متناقضة لم يعد يتحملها قطاع واسع من أعضاء الجماعة؛ ما دفعهم إلى الخروج منها ومحاولة بناء أطر سياسية واجتماعية منسجمة مع نفسها ومع القوانين المنظمة للعمل السياسي والعام، كما أن السلطة السياسية وجدت نفسها في حاجة إلى مراجعة علاقتها بالمجتمعات والتي أظهر الربيع العربي أنها مليئة بالشك والحذر، ويفترض أن السلطة تلاحظ أكثر من أي وقت مضى أن التشدد الديني أصبح في وسط بيتها وليس حالة خاصة بالجماعات الدينية، لكنه في المدارس والمساجد والمؤسسات الدينية الرسمية، فالمتشددون الدينيون من الموظفين الحكوميين والمؤيدين السياسيين للسلطة يتفوقون في شدتهم وانتشارهم على التشدد الديني الإخواني، وتتشكل ضرورة ملحة لإعادة توجيه وتنظيم التعليم الديني والسلوك والاتجاه الديني في المساجد والمحاكم والوسط الشعبي العام، وتحتاج الحكومة في ذلك إلى تحالف اجتماعي وديني جديد ومختلف.
ولكن، تظل الأسئلة المستقبلية والاحتمالات مفتوحة على المغامرة، هل تقدر الجماعة الجديدة المسجلة حسب القانون على سد الفراغ الإخواني الأول؟ أم أن مصير الإخوان الجدد سيكون مثل المجموعات التي تركت الإخوان من قبل، وتحولت إلى شخصيات ومجموعات إسلامية محدودة التأثير الاجتماعي والسياسي؟
هناك ثلاثة شروط على الأقل لنجاح الحركات الاجتماعية، متصلة بالبيئة المحيطة بعملها، وبذلك فإنها تؤثر تأثيرا حاسما في مستقبلها ومسارها: وجود فعلي وحقيقي لمجتمعات تملك الحد الكافي من الموارد والإدراك لأولوياتها واحتياجاتها، والقدرة على المشاركة والولاية على هذه الاحتياجات والأولويات، وذلك يؤدي بداهة إلى الشرط الثاني وهو وجود نخب وقيادات وطبقات تدرك وجودها وتراثها، وتربط مصالحها بتنظيم المجتمعات لنفسها؛ وبطبيعة الحال فإن ذلك يقتضي أن تربط الحركات الاجتماعية وحلفاؤها من النخب والطبقات والمصالح وقواعدها الاجتماعية، أهدافها ونضالها بوجود هذه البيئة الملائمة وتحسين أدائها. وهذا ما لم تتمكن الحركات الاجتماعية حتى اليوم من تحقيقه أو حتى إدراكه، والاقتناع بأولويته وضرورته للعمل والإصلاح.
وهنا يمكن الملاحظة كيف ولماذا تلجأ الحركات والأحزاب إلى الأفكار الماورائية؛ سواء الدينية أم القومية أم القرابية. ففي استدعاء دوافع التحرير والثواب والعصبية، يمكن بناء قواعد اجتماعية وتنظيمية للعمل والمشاركة، لأنه في غياب المجتمعات والمدن والأسواق المستقلة، لا تعود للطبقات والنخب المُعوّل عليها القدرة ولا المصلحة في التحالف مع المجتمعات.
وعلى أي حال فإن الحكومة نجحت في تغييب هادئ للإسلام السياسي ووضعته تحت طائلة التهديد بالملاحقة باعتباره تنظيماً غير قانوني، وإن كان يفترض أنها تفضل أن يحدث تطور إيجابي في العلاقة الدينية السياسية وعلاقة السلطة بالمجتمعات، وأن تكون الجماعات والنقابات ضمن حالة تشكل طبيعي في النسيج الاجتماعي السياسي للدولة والمجتمع.