انعقاد مؤتمر قمة نسائية برلمانية في الأردن ، بمشاركة رئيسات دول ورئيسات حكومات وبرلمانيات من 89 دولة من مختلف القارات حول العالم ، وبعدد وصل إلى 260 مسؤولة وبرلمانية ، يؤكد ثقة المجتمع الدولي بهذا البلد ، وبشعبه وبقيادته ، ذلك أن مثل هذا المؤتمر ، وبهذه الأهمية الدولية ما كان له أن ينعقد لولا هذه المكانة وهذه الثقة وهذا الإحترام الذي يحظى به الأردن عالميا بفضل شعبه الوسطي الواعي وقيادته الحكيمة الفذة .
فعلى مدار يومين ، كان الأردن ، ضمن عناوين أبرز وكالات الأنباء العالمية ، ذلك أنه مؤتمر لا يتعلق بالمرأة وتمكينها وحسب ، بل بما تمثله من محاور سياسية واقتصادية واجتماعية كانت حاضرة في عين التنمية البشرية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي لا تتحقق إلا بنصف المجتمع ، شريطة أن يكون هذا النصف واعيا لحقوقه الموضوعية والقانونية ، ملما بأدوات تمكينه المختلفة ضمن بيئته وموروثه .
تابعت مجريات المؤتمر عبر المدينة نيوز ووسائل الإعلام ، وما لفتني هو تركيز المتحدثات على حقوق المرأة ، وسبل النهوض بها ، ونشر جداول بما تشكل من نسب مئوية قياسا بالرجال غير أن أحدا من المتحدثات الأجنبيات أو العربيات ، لم تتطرق البتة لطبيعة المجتمعات وثقافتها وموروثها الحضاري والتاريخي ، بل انصب الحديث على المرأة كوحدة كاملة متحدة ، وهذا خطأ يبرزه علماء الإجتماع في تصنيفاتهم ومحاضراتهم وكتبهم .
إن المرأة التي هي أساس المجتمع ، ولبنته الركنية بلا جدال ليست نمطا واحدا كما أن الرجال أنماط شتى ، ففي المجتمعات المتحضرة لا زال الكفاح النسائي يملأ الدنيا ويشغل الناس ويتصدر أحيانا الأخبار ، برغم أن المرأة في هذه المجتمعات انتزعت حقوقها المسلوبة ولكن غير الكاملة ، بل إن المساواة الحقيقية لا زالت بعيدة المنال في كثير من المجتمعات الديمقراطية بما فيها بعض الدول الأوروبية ، ” أتحدث هنا عن الممارسة لا عن القوانين ” ولكم في نسب شغل المواقع السياسية العليا وتفاوت الأجور واختيار الذكور بدل الإناث لشغل الوظائف مثال واضح على الغبن الذي يلحق بالنساء ، ولكن العلماء لا ينأون بأنفسهم عن تشخيص السبب وهو لا يخرج – بالتأكيد – عن “الثقافة” التي هي المعيار الأول والأخير في التشخيص السليم ، وأيضا ” جور ” بعض القوانين وخاصة الإقتصادية منها والإجتماعية التي تمنح المرأة مفاوز من الحقوق نظير ما تمنحه لشقيقها الرجل .
إن حقوق المرأة ، لا تعني المساواة فقط ، أو توفير فرص العمل لها ، أو التعليم أو الحرية ، بل تعني ، لمن أراد أن يكون منصفا أن نحترم إنسانيتها وأنوثتها والفطرة التي فطرت عليها ،وأن لا نحرمها من دورها في المجتمع والأسرة وسوق العمل معا : سلة واحدة إذا انتقص من أحدها شيء تغولت الاخرى على شقيقاتها ، وهذا ما تتحدث عنه النظريات وتؤكده التطبيقات .
لقد كان مؤتمرا ناجحا ، جمع ممثلات عن مجتمعات عدة ، حاولن أن يكن صوتا واحدا ، وهكذا كان في الظاهر ، ولكن الباطن يفشي بأن مثل هكذا محاولات لا بد ستبوء بالفشل، لأن لكل بيئته وثقافته وحضارته وتصوره .
يكفي أن نعلم بأن الرجال يشغلون ما نسبته 95 % من نسبة قادة الدول في العالم ، أما البرلمانيون الرجال فيشغلون ما نسبته 80 % ، وهي نسب تؤكد بأن البون لا زال شاسعا بين الجنسين وإذا أردت أن تعرف السبب فاسأل عن الثقافة وعندها سوف تلج إلى الصميم .